الحديث عن الجنس كان من المحرمات في المجتمعات العربية والإسلامية حتى وقت قريب، ولكن في الآونة الأخيرة وجدنا اهتمامًا كبيرًا بالجنس، وطفت على السطح الكثير من المشكلات الجنسية المسكوت عنها في هذه المجتمعات، وصدم الجميع مؤخرًا بواقعة اغتصاب طفل في الثالثة عشر من العمر لطفلة عمرها أربع سنوات!
مسؤولية الأهل والمجتمع والدولة
أخطر أمر يتعلق بالجنس عند الأطفال ويؤدي إلى الانحرافات والجرائم الجنسية، هو التعرض للمواد الإباحية، ومسؤولية الأهل هي حمايتهم من هذا التعرض بكافة الوسائل ومنها عدم إعطاء الأجهزة الإلكترونية للأطفال الصغار، وعندنا نعطيهم نراقب استخدامهم لها، ولا نسمح لهم بإدخالها لغرف النوم، ونقوم بتحميل برامج الحماية والرقابة عليها.
وتعرض الأطفال للمواد الإباحية قد يحدث عرضًا عند البحث على اليوتيوب، أو من خلال ظهور النوافذ المنبثقة عند فتح بعض المواقع والتي تستدرج الأطفال لمشاهدة المواد الإباحية، وفي هذه المرحلة يجب تنبيه الطفل وتحذيره من خطورة مشاهدة هذه المواد ومتابعته بعد ذلك متابعة واعية وأمينة، وتفعيل خاصية البحث الآمن وتنصيب البرامج المخصصة لحماية الأطفال من المحتوى الإباحي على أجهزتهم.
والهواتف الذكية والأجهزة الإلكترونية تمثل الباب الذي يلج منه الأطفال للمواد الإباحية، وتشير دراسة أعدتها الدكتورة سحر الطويل الأستاذة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» إلى أن 80 % من النشء من سن 15 – 18 سنة يتعلمون الجنس من مشاهدة الأفلام وأن 64 % منهم يشاهدون الأفلام أساسًا لأسباب لها علاقة بالجنس.
وفي دراسة أخرى تبين أن أكثر من 70% من الملفات التي يتم تداولها بين المراهقين عبر الهاتف المحمول تحوي مواد إباحية 8.6 % لها علاقة بالعنف. ووجدت نفس الدراسة أن 88% من البنات يقلن: إنهن وقعن ضحية للتحرش الجنسي عن طريق الجوال.
ومواقع التواصل الاجتماعي أصبحت المصدر الرئيس للمحتوى الإباحي عند الأطفال والمراهقين نتيجة عدم وجود قيود عليها لا من قبل أصحابها ولا قبل من الأهل.
وهناك مصدر آخر خطير للمحتوى الإباحي وهو الألعاب الإلكترونية التي تتضمن محتوى جنسيًا فاضحًا ويكون مصحوبًا بالعنف في كثير من الأحيان، ولذلك ينبغي الحذر من هذه الألعاب ومراقبة الألهاب التي يحملها الأطفال على أجهزتهم أو يلعبونها بشكل مباشر.
والغرب الذي يصدر الإباحية للعالم وضع قيودًا على المحتوى الذي يقدم للأطفال، ومصلح (+18) الذي أصبح رمزًا للمواد الإباحية، وضع أساسًا لحماية الأطفال الصغار من التعرض لهذه المواد!
وتعرض الأطفال للمحتوى الإباحي له مخاطر كثيرة، وهناك أكثر من 20 دراسة علمية تؤكد أن الأضرار الناتجة عن مشاهدة المناظر الجنسية المثيرة تشبه الإدمان على الكحول والمخدرات، بل هي أخطر حيث تتلف أجزاء مهمة من الدماغ.
والتأثير الأكثر خطورة يأتي من عالم الأطفال (تحت سن 14 سنة) حيث وجدوا أن هذا السن يتأثر كثيرًا بالمشاهد الإباحية حيث تحدث تغيرات دائمة في دماغه، وتؤثر على سلوكه، حيث لاحظ العلماء أن نسبة كبيرة من الأطفال الذين شاهدوا أفلام الجنس ينحرفون في سلوكهم في المستقبل. وبينت الدراسات أن ثلث الأطفال الذين شاهدوا مقاطع إباحية طبقوا شيئًا من الأفعال الخلاعية بعد مشاهدتهم للمقاطع بأيام!
والانتشار الواسع للمواد الإباحية على شبكة الإنترنت وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بصفة، يمثل تحديًا للأسرة المعاصرة ويتطلب قيام الأهل بواجبهم ومسؤوليتهم في حماية أطفالهم من التعرض للمحتوى الإباحي، وهناك أيضًا المسؤولية المجتمع في التوعية بخاطر المحتوى الإباحي على الأطفال والدعوة لحمايتهم، ومسؤولية الدولة عن حماية الأطفال من التعرض للمحتوى الإباحي وحمايتهم من التعرض للإساءة الجنسية أيًا كان مصدرها.
وواقعة اغتصاب الطفل للطفلة تأتي في سياقها الطبيعي، فالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتردية في مصر وفي غيرها تدفع باتجاه انتشار العنف والجريمة، وستؤدي إلى وقوع المزيد من الجرائم مثل السرقة والزنا والاغتصاب والبلطجة والاعتداء على الآخرين وإدمان المخدرات، وأتوقع أن يرتفع معدل هذه الجرائم في الفترة القادمة كمًا ونوعًا.
التربية الجنسية بين القبول والرفض
التربية والثقافة الجنسية من الموضوعات التي أثارت -وما زالت تثير- جدلًا واسعًا وانقسم الكثير من الناس حولها ما بين مؤيد ومعارض.
المعارضون رأوا فيه تقليدًا للمجتمعات الغربية ومحاولة لنشر الفاحشة والرذيلة وتشجيعًا للمراهقين على ارتكاب المحرمات ووسيلة لتدمير المجتمعات.
والمؤيدون عدوه ضرورة في ظل الانفتاح الإعلامي وغياب الرقابة وزيادة معدلات التحرش الجنسي، ووجدوا في التربية الجنسية الحل للكثير من المشكلات التي تعاني منها المجتمعات العربية والإسلامية.
وإذا سلمنا بما يقوله المعترضون عن التربية الجنسية فمن أين يحصل الشاب والفتاة على المعلومة الجنسية الصحيحة في مراحل النمو المختلفة؟!
ونقول إن البدائل في هذه الحالة أكثر وأشد خطورة ونتائجها السلبية باتت حقيقة مرة تعاني منها المجتمعات العربية والإسلامية ونحن في موضوع الحصول على المعلومة الجنسية بين خيارين اثنين لا ثالث لهما:
الخيار الأول هو الحصول على هذه المعلومات من مصادر موثوقة تعتمد في تقديمها على الشرع والعلم كالكتب الهادفة أو المناهج التعليمية في المدارس والجامعات أو الدورات التي تقدمها مراكز الاستشارات الأسرية أو مواقع الإنترنت الإسلامية.
والخيار الثاني هو الحصول عليها من مصادر مشبوهة هدفها إثارة الغرائز والشهوات وإشاعة الفاحشة وتدمير المجتمعات، ومن هذه المصادر الصحف والمجلات الخليعة والكتب الصفراء التي تباع على الأرصفة، والفضائيات الماجنة ومواقع الإنترنت الإباحية وهذه المصادر منتشرة في كل مكان والرقابة عليها أصبحت مستحيلة.
التربية الجنسية أصبحت ضرورة
التربية الجنسية أصبحت ضرورة في هذا العصر لكي نحمي أطفالنا من الإساءة الجنسية، ونبصر شبابنا وفتياتنا بمخاطر ممارسة الجنس خارج الإطار الشرعي والعقوبات الدنيوية والأخروية التي تنتظر الواقعين في هذه المعصية والخطيئة الكبرى.
وأخطر أنواع الإساءة التي يمكن أن يتعرض لها الطفل هي الإساءة الجنسية وتتضمن التعليقات الجنسية، الوقوع في الحب، ممارسة الجنس، وأية أشكال أخرى للاستغلال الجنسي. ومفهوم الإساءة الجنسية يعني استغلال الطفل للإرضاء الجنسي للبالغ، وهو دخول الأطفال غير الناضجين مع المراهقين في نشاطات جنسية والتي لا يفهمها الأطفال.
والتربية الجنسية للأطفال والشباب تنصب على جوانب مهمة في حياتهم تتمثل في: تقديم معلومات عامة الجنس والفروق بين الجنسين، الناحية التشريحية للأعضاء التناسلية والجنسية ووظائفها، والعملية الجنسية وآداب السلوك الجنسي والاتصال الجنسي السليم، والتغيرات البيولوجية والفسيولوجية والنفسية التي تحدث للفرد في مرحلة البلوغ، والنمو النفسي والجنسي في الطفولة والمراهقة المبكرة والمتأخرة والنضج في الشباب، والأمراض التي تنتقل بالعملية الجنسية والحالات الوراثية التي تؤثر على الزواج.
والتربية الجنسية أصبحت ضرورة نظرًا لتعدد مصادر الحصول على المعلومة وسهولة الحصول عليها واستحالة مراقبتها جميعًا، ونظرًا لانتشار زنا المحارم والتحرش الجنسي بالأطفال داخل الأسرة وخارجها، وعندما نقول بأن التربية الجنسية أصبحت ضرورة فذلك ليس رأيًا شخصيًا في هذا الموضوع، وإنما هو مطلب من مطالب المتخصصين من الأطباء وعلماء النفس.
والتربية الجنسية لابد أن تتناسب مع المرحلة العمرية، فلكل مرحلة عمرية ما يناسبها من المعلومات الجنسية الضرورية، وهذه المراحل تختلف من شخص لآخر ومن بيئة لأخرى.
والتربية الجنسية السليمة ستحد من ظاهرة التحرش الجنسي وتسهم في توعية الأطفال والنشء بهذه الممارسات المحرمة التي تغتال براءتهم وطفولتهم، وأخذ الحيطة والحذر قبل حدوث ما نكرهه ونخشى حدوثه.
فوائد التربية الجنسية
التربية الجنسية تعالج المشكلات التي تحدث للشباب والفتيات في مرحلة البلوغ وما يترتب عليها من فرائض شرعية كالغسل من الجنابة بعد الاحتلام الذي يفاجئ الشباب، والحيض الذي يفاجئ الفتيات في مرحلة البلوغ، فقد أظهرت إحدى الدراسات أن 51% من الفتيات في منطقة الخليج يفاجأن بتغيرات المراهقة نتيجة عدم وعيهن بهذه التغيرات.
ومن خلال التربية الجنسية يتعلم الشاب والفتاة الأحكام الشرعية ومنها حرمة مس المصحف للجنب يقول الله عز وجل:{لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}، وحرمة اتيان المرأة في دبرها لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«ملعون من أتى امرأته في دبرها».
ويتعلم كذلك حرمة الجماع أثناء فترة الحيض، يقول تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} سورة البقرة: 222.
وتتعلم الفتاة من خلال التربية الجنسية حرمة امتناع المرأة عن فراش زوجها وما يترتب عليه من خلافات زوجية، وبحث الزوج عن المتعة المحرمة، وفساد للمجتمعات، فعن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:«إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إلى فِرَاشِهِ فأبَتْ، فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا، لَعَنَتْهَا المَلَائِكَةُ حتَّى تُصْبِحَ». أخرجه: البخاري (3237).
ومن خلال التربية الجنسية يتعلم الشاب كيف يُعف زوجته بالحلال، ويعطيها حقها في الاستمتاع بالمعاشرة الجنسية التي لا تقتصر على الفعل الميكانيكي المتمثل في الإيلاج، فالمعاشرة الجنسية عند المرأة لها بعد نفسي لا يجب إغفاله، ولا بد أن يسبقها تهيئة نفسية المرأة للجماع بالقبلة والكلام.
ومن الأمور المتعلقة بالجنس ويكثر اللغط حولها موضوع ختان البنات والتجاوزات التي قد تحدث فيه، وهو أمر يُعد محسومًا عند الفقهاء، وأنه مكرمة في حق المرأة وليس واجبًا عليها، ومحسومًا كذلك عند الأطباء ولا يتم إلا لضرورة، وهو ما يغلق الباب أمام المزايدين على الإسلام وتعاليمه والمشككين في منهجه وشريعته.
والتربية الجنسية سوف تحد من سيل الأسئلة التي توجه إلى العلماء والدعاة والأطباء حول الجنس من الناحية الشرعية والطبية، وتوفر الجهد والوقت الضائع الذي يمكن توجيهه لمناقشة قضايا الأمة وهي كثيرة.
والتربية الجنسية ضرورة لتحقيق الغاية من ممارسة الجنس وهي الإنجاب، ومن خلالها يمكن التعرف على الأوقات المناسبة لحدوث الحمل، والمعوقات التي تمنع الحمل واللجوء إلى الأطباء والطبيبات المتخصصات لمعالجتها وعدم اللجوء للدجالين والمشعوذين.
والتربية الجنسية ستسهم في إزالة الرهبة والخوف من ممارسة الجنس عند المقبلين على الزواج من الشباب والفتيات؛ لأن نقص الوعي بعملية الممارسة الجنسية أصاب الكثير من الشباب والفتيات بالخوف من هذه العملية، وأدى إلى فشلهم في القيام بها، وكان سببًا في حدوث الطلاق في الكثير من الحالات، بل وصل الأمر إلى أن أحد الأزواج قتل زوجته ليلة الزفاف لأنه لم يستطع الدخول بها.
والتربية الجنسية ستسهم في الحد من الهوس الجنسي الذي أصاب الكثير من الباحثين عن أسباب الفحولة، وستسهم في تغيير الكثير من المفاهيم الخاطئة المرتبطة بالجنس، فممارسة الجنس ليست عملية ميكانيكية وتحتاج إلى توافق نفسي وجسدي وإلى تناغم وانسجام تام بين الزوجين، والكثير من الخيانات الزوجية تحدث نتيجة عدم إشباع الرغبات العاطفية وعدم التوافق الجنسي بين الزوج والزوجة.
والتربية الجنسية ستسهم في تجنب حالات الوفاة التي تحدث نتيجة تعاطي المنشطات الجنسية دون استشارة طبية، وتسهم في توفير الملايين التي ينفقها العرب على المنشطات الجنسية سواء كانت أدوية كيميائية أو أعشاب طبيعية.
والتربية الجنسية السليمة ستسهم وبشكل كبير في الوقاية والحماية من الأمراض الجنسية المعدية كالإيدز وغيره والتي تنتشر بسبب الممارسات الجنسية المحرمة وسوف تحد من تزايد حالات الشذوذ الجنسي، والمهم هو الاكتشاف المبكر لهذا الشذوذ ومعالجة الميول الجنسية الشاذة.
إذن الهدف من التربية الجنسية هو تنشئة إنسان سوي لا يعاني من الكبت ولا يعاني من الشذوذ الجنسي ويستمتع بحياته ويعيشها بلا مشكلات أو منغصات.