نجحت دولة قطر وبامتياز في تحقيق حلم العرب باستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم، وأوفت بوعدها في تنظيم نسخة فريدة من تلك البطولة العالمية، وحققت الكثير من الأهداف من وراء تلك الاستضافة.
تتويج قوة قطر الناعمة
من خلال نجاحها المبهر في تنظيم بطولة كأس العالم توجت قطر قوتها الناعمة التي استثمرت الكثير من المال والجهد في بنائها خلال العقدين الماضيين تحديدًا، وذلك من خلال التركيز على عدة مجالات منها: العمل الخيري والمساعدات الإنسانية، والتدخل لحل النزاعات، واستضافة الفعاليات الرياضية، وآخرها وأكبرها بطولة كأس العالم، فقد اتجهت إليها أنظار العالم بأسره، وأصبحت قطر على لسان المليارات من البشر حول العالم.
ودولة قطر عُرفت على المستوى العالمي من خلال النهج السلمي الذي تبنته، والدعوة للحفاظ على السلم والأمن الدوليين، ومناصرة الشعوب وقضاياها العادلة، وتبني مبادرات الصلح بين الفرقاء في أنحاء كثيرة من العالم، وإسهاماتها المقدرة عالميًا في الأعمال الخيرية والمساعدات الإنسانية.
البطولة والتعريف بالإسلام
من الأمور التي لاحظها الجميع وتأثروا بها خلال فعاليات كأس العالم، كثافة النشاط الدعوي والاستعدادات التي جرت له قبل بدأ البطولة، حتى قال أحدهم:”إن قطر تنظم كأس العالم لتدخل الناس في الإسلام”.
وهذه الاستعدادات تمت من قبل مركز ضيوف قطر، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وجامعة قطر، وغيرها من الجهات الرسمية والخيرية في الدولة، ومنها المنشورات التي تم توزيعها على الجماهير وتعرف بالإسلام بجميع لغات العالم، ووجود رموز (باركود) للتعريف بالإسلام في جميع الغرف الفندقية، ووجود طاولات دعوية في أماكن تجمعات الجماهير، وتوزيع الهدايا التي تحمل رموز تعريفية بالإسلام، وقد أدى ذلك إلى إسلام عدد من زوار قطر خلال البطولة، وهناك عائلات أسلمت بأكملها كالعائلة البرازيلية التي أشهرت إسلامها.
صفعة للغرب وللمطبعين العرب
أكبر مكسب نجحت قطر في تحقيقه من خلال تنظيمها الرائع لبطولة كأس العالم، هو تغيير الصورة النمطية للعربي في أذهان الغربيين، والمرتبطة بالبداوة والتخلف والشهوانية والسفه في إنفاق المال، فقد تبدلت هذه الصوة إلى صورة العربي صاحب القيم والمبادئ، والاحترام والرقي في التعامل، والحفاوة والكرم.
ونجاح دولة قطر في تنظيم بطولة كأس العالم ساهم وبشكل فاعل في الحد من الهيمنة والاستعلاء الغربي على بقية شعوب العالم، وأجبر الغربيين على الاعتراف بثقافة وتقاليد الآخرين بل واحترامها، فقد قيد شرب الكحوليات، ومنع رفع شعار الشواذ خلال البطولة، وتم الاحتفاء بالأسرة التي أعلن الغرب الحرب عليها وسعى لتفكيكها.
والمطبعون تلقوا صفعة قوية من الجماهير التي ناصرت القضية الفلسطينية ورفعت علم فلسطين في المباريات والفعاليات المختلفة، بالإضافة إلى مقاطعة القنوات الإسرائيلية، حتى إن هيئة مكافحة الإرهاب الإسرائيلية حذرت مواطنيها من السفر إلى قطر.
الخبرات القطرية في تنظيم الفعاليات
نجاح قطر في تنظيم نسخة فريدة من كأس العالم ليس بالشيء الغريب أو المستبعد على دولة مثل قطر، التي تراكمت لديها خبرات طويلة في تنظيم الفعاليات والأحداث العالمية، وأقرب مثال على ذلك هو البروفة المصغرة التي سبقت كأس العالم، والمتمثلة في تنظيم بطولة كأس العرب فيفا 2021، وقبل فترة وجيزة من انطلاق فعاليات بطولة كأس العالم، أعلن الاتحاد الآسيوي لكرة القدم عن فوز قطر باستضافة بطولة كأس آسيا في العام القادم 2023.
ودولة قطر نجحت في استضافة العديد من الفعاليات الرياضية الكبرى وفي مقدمتها كأس العالم لكرة القدم 2022، فقد استضافت دولة قطر ما يقارب 500 فعالية رياضية دولية منذ عام 2005، شملت جميع أنواع الألعاب الرياضية ومختلف الفئات العمرية، ومنها دورة الألعاب الآسيوية لعام 2006، وبطولة العالم لكرة اليد للرجال 2015، وبطولة العالم للملاكمة 2015، وبطولة العالم لكرة اليد للأندية أبطال القارات، وكأس العالم للأندية 2019، وتتطلع دولة قطر إلى استضافة دورة الألعاب الآسيوية 2030.
قطر الأمن والأمان
من يعش في قطر يدرك حجم الأمن والأمان الذي يعيش فيه الناس في هذا البلد الطيب الآمن، فلو تركت سيارتك دون أن تغلقها أو تركت باب بيتك دون أن تغلقه ستعود وتجد كل شيء كما تركته لم يتعرض له أحد، وربما لن يفكر أحد أصلًا في سرقة سيارتك أو التعدي على ممتلكاتك، وذلك بالطبع هو الغالب الأعم.
وقد احتلت دولة قطر المرتبة الأولى عالميًا وعربيًا وعلى مستوى الشرق الأوسط في مؤشر الأمن لعام 2022 الصادر عن قاعدة البيانات العالمية نامبيو (Numbeo).
والحرب الشرسة على قطر وعلى تنظيمها لكأس العالم دفع دولة قطر إلى تعزيز قوات الأمن المشاركة في الحفاظ على الأمن أثناء البطولة، وهو أمر أعتقد أن قطر لم تكن بحاجة إليه لولا ذلك الكم الهائل من الإشعاعات المغرضة والتي ربما منعت الكثيرين من القدوم إلى قطر أثناء البطولة.
والسيارات المخصصة لقوات أمن البطولة حملت عبارات ترحيبية بزوار قطر أثناء فعاليات كأس العالم فيفا قطر 2022.
نسخة فريدة من كأس العالم
قطر وعدت العالم بأسره بتنظيم نسخة فريدة ومتميزة من بطولة كأس العالم وأوفت بوعدها ويشهد بذلك جميع من شاركوا ومن حضروا.
ومما يميز هذه البطولة كرم الضيافة والحفاوة التي وجدها زوار قطر أثناء البطولة ومن ذلك هدايا الجمهور الثمينة في حفل الافتتاح، والورود والحلويات التي قام المواطنون والمقيمون بتوزيعها على الجماهير، والمواصلات المجانية، والفعاليات المتعددة، والمرافق المفتوحة للترفيه في مناطق مختلفة من قطر، وقرب الملاعب من بعضها ومن أماكن إقامة الجماهير، ووجود عدد كبير من المتطوعين في كل مكان لإرشاد الضيوف وتقديم المساعدة لهم، وقد أعرب مشجع أميركي عن ندمه لأنه لم يخطط لزيارة أطول لقطر لما رأى فيها من الكرم وحسن الضيافة.
مكاسب أهل قطر
لا شك أن الجميع قد ربحوا من تنظيم قطر لبطولة كأس العالم، ومن المكاسب الباقية بعد كأس العالم لأهل قطر البنية التحتية الحديثة التي تم إنجازها في معظم المناطق والتي غيرت وجه قطر تمامًا.
وقطاع الرياضة في قطر ربح سبعة ملاعب جديدة ومتطورة وعشرات المواقع للتدريب، والمطلوب من المسؤولين عن الرياضة في الدولة فتح تلك المواقع للشباب لكي تُسهم في بناء قاعدة كروية من الأطفال والشباب تستفيد منها الأندية القطرية، ويستفيد منها منتخب قطر، ولا ننسى أن الفضل في قوة وتميز الكرة البرازيلية يعود إلى القاعدة الكروية العريضة من البرازيليين الذين يلعبون كرة القدم في جميع الأماكن تقريبًا.
وقد ربح المواطنون والمقيمون في قطر مرافق ترفيهية عديدة منها: عدد من الشواطئ العامة التي تم تطويرها، وعدد من الحدائق التي تم افتتاحها قبل البطولة، والأماكن المخصصة للألعاب وغيرها الكثير.
ما هو سر نجاح قطر؟
تمكنت قطر خلال العقدين الماضيين من تحقيق نهضة ملموسة في العديد من المجالات، والسر في ذلك ليس في الغنى والوفرة المالية التي تتمتع بها قطر، فهناك دول غنية ولكنها لم تحقق ما حققته قطر من تقدم، ولكنه يكمن في الاهتمام بالتعليم والبحث العلمي، والتخطيط الجيد، وتبني الجهات الحكومية وغير الحكومية لأفضل الممارسات في جميع المجالات، وتضافر الجهود فقد ساهمت جميع المؤسسات والقطاعات العامة والخاصة في التحضير لاستضافة بطولة كأس العالم وفي نجاح تنظيم تلك البطولة.
والنجاحات التي حققتها قطر في العديد من المجالات تحققت من خلال انتهاج السياسات التنموية، التي تسعى من أجل التنمية الاقتصادية ومراعاة البعدين الاجتماعي والبيئي، فهناك اهتمام بالمواطنين والمقيمين وتوفير التعليم الجيد والرعاية الصحية لهم، والسعي لتحقيق العدالة الاجتماعية، وتطوير الاقتصاد وتنويع الاستثمارات، والمحافظة على البيئة، بالإضافة إلى تعزيز دورها الإقليمي، ومساهماتها الفعالة في الكثير من القضايا على الصعيد الدولي.