شبهات حول حقوق المرأة
من الأمور التي كان لها أسوأ الأثر على المجتمعات الإسلامية الدعوات التي أطلقها دعاة تحرير المرأة والدعوات التي تطالب بالمساواة بين الرجل والمرأة وهي دعوات حق أريد بها باطل. وهذه الدعوات أسهمت وبشكل كبير في تفكيك المجتمعات العربية والإسلامية وفي انهيار المنظومة الأخلاقية للمجتمع.
فإحدى الكاتبات العربيات تقول في تحد وإصرار إن الدين والأخلاق يقفان خلف الممارسات التي تسيء إلى المرأة في المجتمعات العربية والإسلامية فهل هذا صحيح؟! أم أن العادات الخاطئة والتقاليد الموروثة في المجتمع والتي تتنافى مع ما جاء به الإسلام هي التي أنتجت هذه الممارسات السلبية؟
والظلم الذي تتعرض له المرأة في المجتمعات العربية والإسلامية ينسبه البعض إلى الإسلام مع أن الإسلام أنصف المرأة وأعطاها من الحقوق ما لم تحظ به حتى في أكثر الدول رقياً وتقدماً. وأوضاع المرأة المزرية في العالمين العربي والإسلامي لا ينسبها أحد إلى تقصير المسلمين وبعدهم عن الإسلام وعدم التزامهم بأحكامه في تعاملهم مع المرأة سواء أكانت أماً أو أختاً أو زوجة أو بنتاً.
وهناك بعض الأمور التي يعتبرها البعض إهانة للمرأة وانتهاكاً لحقوقها وخصوصيتها ومن هذه الأمور موضوع الختان الذي يتخده البعض في الشرق وفي الغرب سبباً ومبرراً وذريعة للهجوم على الإسلام. والختان في الأصل عادة قديمة جداً عرفتها الشعوب ومارستها قبل مجيء الإسلام والإسلام لم يوجب ختان الإناث وعلماء الأمة مجمعون على أن الختان مكرمة في حق النساء وليس واجباً. فعن أبي المليح بن أسامة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« الختان سنة للرجال، مكرمة للنساء». مسند الإمام أحمد: 20321.
وهناك من يتحدث عن تفضيل الإسلام للذكور على الإناث في الخطاب وفي الدرجة وفي نعيم الآخرة وقد نفى القرآن الكريم هذه الافتراءات يقول الله عز وجل:{ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}. سورة النساء: 124. ويقول الله تعالى:{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}. سورة النحل: 97. وهناك من يتحدث عن احتكار الرجال لتفسير القرآن الكريم ويطلقون عليه “التفسير الذكوري للقرآن” وهؤلاء يزعمون أن الرجال يفسرون آيات القرآن بما يتماشى مع طبيعتهم الذكورية السلطوية وبما يحقق مآربهم الخاصة ومنها إخضاع المرأة في مراحل حياتها المختلفة لسلطة الرجل.
والإساءة للإسلام فيما يتعلق بموضوع المرأة مقصودة ومتعمدة من جانب المغرضين في الشرق وفي العرب والدليل على ذلك أنهم يغفلون عن عمد الكثير من الآيات والأحاديث التي تساوي بين الرجل المرأة في الكرامة الإنسانية وفي الحقوق والواجبات وتدعو المسلمين إلى الإحسان للمرأة في جميع حالاتها.
وإبعاد المرأة عن الإسلام وتنفيرها منه يتم من خلال ترويج المفاهيم المغلوطة عن وضع المرأة في الإسلام وإثارة الشبهات حول عدد من القضايا مثل: القوامة والتعدد والميراث وشهادة المرأة واباحة ضرب الزوجة الناشز وعدم إباحة زواج المرأة المسلمة من غير المسلم. والقوامة ليست امتيازاً أو تشريفاً للرجل وإنما هي في حقيقة الأمر تكليف وعبء يتحمله الرجل وقد عللته الآية الكريمة بالإنفاق يقول الله عز وجل:{ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ …} سورة النساء: 34.
والتعدد في الإسلام له ضوابطه ومنها القدرة على الإنفاق والعدل بين الزوجات وفيه حل للكثير من المشكلات الاجتماعية وعلى رأسها العنوسة. يقول الله عز وجل:{ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ} سورة النساء: 3.
ومحاربة التعدد من خلال وسائل الإعلام المختلفة ومن خلال التشريعات والقوانين التي أصدرتها بعض الدول العربية والإسلامية فتح المجال للعلاقات غير الشرعية وإتخاذ الرجال للخليلات حتى إن بعض النسوة الجاهلات قلن إنهن يفضلن أن يكون لأزوجهن خليلات على أن تكون لهم زوجة أخرى!
وميراث المرأة له حالات متعددة وفي بعضها ترث المرأة مثل الرجل والمسألة التي تحسم الخلاف حول نصيب المرأة في الميراث هي قاعدة “الغنم بالغرم” فالمرأة ليست مكلفة بالإنفاق في حين أن الرجل هو المكلف شرعاً بالإنفاق على والديه وعلى زوجته وعلى أولاده وعلى من تلزمهم نفقته كالأخوات والعمات والخالات والجدات ولذلك فإن النصيب الذي تأخذه المرأة من الميراث أياً كان مقداره هو حق خالص لها لا يشاركها فيه أحد ولا يطلب منها أن تنفق منه على أحد. وفي توزيع المواريث يقول الله عز وجل:{ يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا} سورة النساء: 11.
وشهادة المرأة متعلقة باستعداتها الفطرية وبحالتها النفسية وطبيعة وظيفتها في المجتمع والإسلام قبل شهادة المرأة وحدها في بعض الأمور مثل الرضاع والشهادة على الولادة وما يتعلق بذلك من نسب وإرث، ومثل الشهادة على الثيوبة والبكارة. والغرض من شهادة امرأتين هو التذكير ببعض الأمور التي ربما تنساها المرأة في شهادتها كما عللته الآية الكريمة وهو ضمانة لتحقيق العدل. يقول الله عز وجل:{ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَ} سورة البقرة: 282.
وضرب الزوجة من الأمور التي أثارت جدلاً واستغلها أعداء الإسلام في الداخل والخارج في الإساءة للإسلام فإحدى الكاتبات الغربيات تقول:”إن القرآن يأمر الرجل بأن يضرب المرأة كل صباح!”. وضرب الزوجة لا يلجأ إليه إلا في حال الضرورة وبضوابط حددها الشرع والهدف من الضرب هو الإصلاح وليس الإهانة أو التحقير ولكن هذا الأمر يوظف في الغرب بهدف الإساءة للإسلام. وضرب الرجل لزوجته بالضوابط التي وضعها الإسلام للضرب ُشرع من أجل تقويم السلوكيات المعوجة عند بعض النساء وهو آخر مرحلة في علاج النشوز كما بينت الآية الكريمة وذلك قبل اللجوء للتحكيم من أجل الصلح أو الطلاق. والأمر بالضرب موجود في القرآن الكريم يقول الله عز وجل:{ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}. سورة النساء: 34. فهل ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أنزل عليه القرآن واحدة من زوجاته أو امرأة قط؟!
تحدثنا السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك مطلقاً وأمر في أحاديث كثيرة بالإحسان إلى النساء وشدد على ذلك في خطبة الوداع. فعَنْ السيدة عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللّهِ شَيْئاً قَطُّ بِيَدِهِ. وَلاَ امْرَأَةً. وَلاَ خَادِماً. إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ. وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ. فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ. إِلاَّ أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللّهِ. فَيَنْتَقِمَ لِلّهِ عَزَّ وَجَلَّ. صحيح مسلم: 6003.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم:« لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً. إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقاً رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ». صحيح مسلم: 3603.
والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ضرب النساء وأخبر أن من يضربون نساءهم ليسوا من خيار المؤمنين فعن إيَاسِ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبي ذُبَابٍ، قال قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:« لاَ تَضْرِبُوا إمَاءَ الله، فَجَاءَ عُمَرُ إلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذَئِرْنَ النِّسَاءُ عَلَى أزْوَاجِهِنَّ، فَرَخَّصَ في ضَرْبِهنَّ، فأطَافَ بآلِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ طَافَ بآلِ مُحمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أزْوَاجَهُنَّ لَيْسَ أولٰئِكَ بِخِيَارِكُمْ». سنن أبي داود: 2150.
ومن الشبهات التي تثار حول حقوق المرأة في الإسلام تحريم زواج المرأة المسلمة من غير المسلم وهذا التحريم له حكمة لأن فيه حفاظاً على دين المرأة المسلمة وعلى حقوقها وفيه حفاظ على الأطفال والبيئة التي ينشأون فيها والتي ينبغي أن تكون بيئة صالحة وإيمانية.
والهدف من الدعوات التي رفعت شعار “تحرير المرأة” هو تحرير المرأة من الدين ومن القيم والأخلاق. وتركيز المطالبين بحقوق المرأة في عالمنا العربي ينحصر في أمرين: أولاً: التشكيك في أمور الدين كأحكام المواريث وحكم إمامة المرأة في الصلاة وحكم الحجاب وغيرها من الأمور التي تثير البلبلة والفتن. فالبعض منهم يطالب بالمسواة بين الرجل والمرأة في الميراث وبعضهم يرى انه لا مانع من إمامة المرأة للرجال في الصلاة والبعض الآخر يرون أن الحجاب ليس فريضة شرعية وإنما عادة قديمة توارثتها الأجيال.
ثانياً: العمل على إخراج المرأة من بيتها ومزاحمة الرجال في أعمالهم وفي بعض التخصصات التي لا تتناسب مع طبيعة المرأة ودورها في الحياة تحت شعارات براقة وخادعة مثل: المساواة بين الرجل والمرأة وتمكين المرأة ومشاركة المرأة في التنمية. فالبعض وبدعوى المساواة بين الرجل والمرأة يريدون من المرأة المسلمة أن تعمل في مجالات لا تناسب المرأة كسائقة سيارة أجرة أو سائقة شاحنة كبيرة أو العمل في صالون حلاقة خاص بالرجال أو توصيل البريد للمنازل أو العمل في مهن تمتهن جسد المرأة وكرامتها كالسكرتارية والاستقبال والعمل في المطاعم والفنادق وعلى النقيض من ذلك لا يطالبون بعمل المرأة في المجالات التي يجب أن تعمل فيها المرأة لخدمة بنات جنسها كالتعليم والطب والشرطة.
ودعوات تحرير المرأة أبعدت الكثيرات عن الإسلام لأنها ربطت تخلف المرأة والظلم الذي تعرضت له بالإسلام. وإبعاد المرأة عن الإسلام أدى إلى إبعاد المجتمع بأسره عن الإسلام فالمرأة المتفلتة والجاهلة بأحكام دينها ستخرج للمجتمع أجيال جاهلة ومشوهة لا تعرف من أمور دينها شيئاً ولذلك فإن جهود الدعاة والمصلحين يجب أن توجه لإعادة المرأة إلى الإسلام لأنه يحافظ عليها ويحمي حقوقها ويسهم في إصلاح أوضاع المجتمع.
ونتائج دعوات تحرير المرأة أدت إلى خلق أجيال لا تنتمي للإسلام ولا تعتز بدينها ولا تعتز بلغتها لأنهم تربوا في بيئة بعيدة عن الدين ومناهضة لأفكاره وقيمه.
والمدافعون عن حقوق المرأة تركوا الحديث عن امتهان وسائل الإعلام لكرامة وشخصية المرأة والمتاجرة بجسد المرأة وتحويلها إلى سلعة رخيصة ووجهوا حقدهم الدفين ضد الإسلام والمسلمين ونشروا أفكارهم الضالة ونفثوا سمومهم وحاربوا الطهر والعفاف في المجتمعات العربية والإسلامية ودعوا المرأة المسلمة إلى خلع الحجاب والنقاب ودعوا إلى الاختلاط بين الجنسين. ولم نسمع من المطالبين بحقوق المرأة من الجنسين كلمة واحدة عن العفن الفني الذي تقدمه الفضائيات العربية مستغلة بعض الساقطات في إفساد المجتمعات العربية ولم يطلب واحد من هؤلاء وقف هذا الإسفاف ووقف المتاجرة بجسد المرأة التي يدافعون عن حقوقها.