التربية الجنسية أصبحت ضرورة
موضوع التربية والثقافة الجنسية من الموضوعات التي أثارت – وما زالت تثير – جدلاً واسعاً وانقسم الكثير من الناس حولها ما بين مؤيد ومعارض. المعارضون اعتبروه تقليداً للمجتمعات الغربية، ومحاولة لنشر الفاحشة والرذيلة وتشجيعاً للمراهقين على ارتكاب المحرمات ووسيلة لتدمير المجتمعات.
والمؤيدون اعتبروه ضرورة في ظل الانفتاح الإعلامي وغياب الرقابة وزيادة معدلات التحرش الجنسي، ووجدوا في التربية الجنسية الحل للكثير من المشكلات التي تعاني منها المجتمعات العربية والإسلامية.
وإذا سلمنا بما يقوله المعترضون على التربية الجنسية، فمن أين يحصل الشاب والفتاة على المعلومة الجنسية الصحيحة؟! ونقول إن البدائل في هذه الحالة أكثر وأشد خطورة ونتائجها السلبية باتت حقيقة مرة تعاني منها المجتمعات العربية والإسلامية ونحن في موضوع الحصول على المعلومة الجنسية بين خيارين اثنين لا ثالث لهما:
الخيار الأول هو الحصول على هذه المعلومات من مصادر موثوقة تعتمد في تقديمها على الشرع والعلم كالكتب الهادفة أو المناهج التعليمية في المدارس والجامعات أو الدورات التي تقدمها مراكز الإستشارات الأسرية أو مواقع الإنترنت الإسلامية.
والخيار الثاني هو الحصول عليها من مصادر مشبوهة هدفها إثارة الغرائز والشهوات وإشاعة الفاحشة وتدمير المجتمعات ومن هذه المصادر الصحف والمجلات الخليعة والكتب الصفراء التي تباع على الأرصفة والفضائيات الماجنة ومواقع الإنترنت الإباحية وهذه المصادر منتشرة في كل مكان والرقابة عليها أصبحت مستحيلة.
ولذلك نقول إن التربية الجنسية أصبحت ضرورة لنبصر شبابنا وفتياتنا بمخاطر ممارسة الجنس خارج الإطار الشرعي والعقوبات الدنيوية والأخروية التي تنتظر الواقعين في هذه المعصية والخطيئة الكبرى.
والتربية الجنسية ضرورة نظراً لتعدد مصادر الحصول على المعلومة وسهولة الحصول عليها واستحالة مراقبتها جميعاً ونظراً لانتشار زنا المحارم والتحرش الجنسي بالأطفال داخل الأسرة وخارجها. وعندما نقول بأن التربية الجنسية أصبحت ضرورة، فذلك ليس رأياً شخصياً في هذا الموضوع، وإنما هو مطلب من مطالب المتخصصين من الأطباء وعلماء النفس.
والتربية الجنسية لابد أن تتناسب مع المرحلة العمرية، فلكل مرحلة عمرية ما يناسبها من المعلومات الجنسية الضرورية وهذه المراحل تختلف من شخص لآخر ومن بيئة لأخرى. والتربية الجنسية السليمة ستحد من ظاهرة التحرش الجنسي وتسهم في توعية الأطفال والنشء بهذه الممارسات المحرمة التي تغتال براءتهم وطفولتهم وأخذ الحيطة والحذر قبل حدوث ما نكرهه ونخشى حدوثه.
والتربية الجنسية تعالج المشكلات التي تحدث للشباب والفتيات في مرحلة البلوغ وما يترتب عليها من فرائض شرعية كالغسل من الجنابة بعد الاحتلام الذي يفاجئ الشباب والحيض الذي يفاجئ الفتيات في مرحلة البلوغ، فقد أظهرت إحدى الدراسات أن 51% من الفتيات في منطقة الخليج يفاجأن بتغيرات المراهقة نتيجة عدم وعهين بهذه التغيرات. ومنها حرمة مس المصحف للجنب يقول الله عزوجل:{ لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}. سورة الواقعة: 79. وحرمة اتيان المرأة في دبرها لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:« ملعون من أتى امرأته في دبرها». مسند الإمام أحمد: 9593. وحرمة الجماع في فترة الحيض يقول تعالى:{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}. سورة البقرة: 222.
يقول الأستاذ سيد قطب في الظلال:” إن المباشرة في تلك العلاقة وسيلة لا غاية. وسيلة لتحقيق هدف أعمق في طبيعة الحياة. هدف النسل وامتداد الحياة, ووصلها كلها بعد ذلك بالله. والمباشرة في المحيض قد تحقق اللذة الحيوانية – مع ما ينشأ عنها من أذى ومن أضرار صحية مؤكدة للرجل والمرأة سواء – ولكنها لا تحقق الهدف الأسمى. فضلاً على انصراف الفطرة السليمة النظيفة عنها في تلك الفترة. لأن الفطرة السليمة يحكمها من الداخل ذات القانون الذي يحكم الحياة. فتنصرف بطبعها – وفق هذا القانون – عن المباشرة في حالة ليس من الممكن أن يصح فيها غرس, ولا أن تنبت منها حياة. والمباشرة في الطهر تحقق اللذة الطبيعية, وتحقق معها الغاية الفطرية “. وحرمة امتناع المرأة عن فراش زوجها وما يترتب عليه من فساد المجتمعات وبحث الزوج عن المتعة المحرمة فعن أَبي هُرَيْرَةَ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:« إذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إلَى فِرَاشِهِ فلَمْ تَأْتِهِ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا المَلاَئِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ». صحيح البخاري: 3167.
ومن الأمور المتعلقة بالجنس ويكثر اللغط حولها موضوع ختان البنات والتجاوزات التي قد تحدث فيه وهو أمر يعتبر محسوماً عند الفقهاء، وأنه مكرمة في حق المرأة وليس واجباً عليها، ومحسوماً عند الأطباء ولا يتم إلا لضرورة، وهو ما يغلق الباب أمام المزايدين على الإسلام وتعاليمه والمشككين في منهجه وشريعته. والتربية الجنسية سوف تحد من سيل الأسئلة التي توجه إلى العلماء والدعاة والأطباء حول الجنس من الناحية الشرعية والطبية وتوفر الجهد والوقت الضائع الذي يمكن توجيهه لمناقشة قضايا الأمة وهي كثيرة.
والتربية الجنسية ضرورة لتحقيق الغاية من ممارسة الجنس وهي الإنجاب ومن خلالها يمكن التعرف على الأوقات المناسبة لحدوث الحمل والمعوقات التي تمنع الحمل واللجوء إلى الأطباء والطبيبات المتخصصات لمعالجتها وعدم اللجوء للدجالين والمشعوذين.
والتربية الجنسية ستسهم في إزالة الرهبة والخوف من ممارسة الجنس عند المقبلين على الزواج من الشباب والفتيات، لأن نقص الوعي بعملية الممارسة الجنسية أصاب الكثير من الشباب والفتيات بالخوف من هذه العملية، وأدى الى فشلهم في القيام بها وكان سبباً في حدوث الطلاق في الكثير من الحالات، بل وصل الأمر إلى أن أحد الأزواج قتل زوجته ليلة الزفاف لأنه لم يستطع الدخول بها.
والتربية الجنسية ستسهم في الحد من الهوس الجنسي الذي أصاب الكثير من الباحثين عن أسباب الفحولة، وستسهم في تغيير الكثير من المفاهيم الخاطئة المرتبطة بالجنس فممارسة الجنس ليست عملية ميكانيكية وتحتاج إلى توافق نفسي وجسدي وإلى تناغم وانسجام تام بين الزوجين فالكثير من الخيانات الزوجية تحدث بسبب عدم إشباع الرغبات العاطفية وعدم التوافق الجنسي بين الزوج والزوجة.
والتربية الجنسية ستسهم في تجنب الكثير من حالات الوفاة التي تحدث نتيجة تعاطي المنشطات الجنسية دون استشارة طبية، وتسهم في توفير الملايين التي ينفقها العرب على المنشطات الجنسية سواء كانت أدوية كيمائية أو أعشاب طبيعية فالمؤتمر الأربعون للجمعية المصرية للمسالك البولية كشف انه في عام 2005 تم بيع حبوب فياجرا بأكثر من مليار دولار، والمصريون استهلكوا فياجرا ب 16 مليون جنيه، وبلغ الاستهلاك في الخليج 15 مليون دولار كما جاء في التقرير الذي أعدته مؤسسة ims المتخصصة عالميا في أبحاث تسويق الدواء أن عقار فياجرا سيطر على 60% من أدوية الضعف الجنسي. والتربية الجنسية السليمة ستسهم وبشكل كبير في الوقاية والحماية من الأمراض الجنسية المعدية كالإيدز وغيره والتي تنتشر بسبب الممارسات الجنسية المحرمة وسوف تحد من تزايد حالات الشذوذ الجنسي والمهم هو الاكتشاف المبكر لهذا الشذوذ ومعالجة الميول الجنسية الشاذة. إذن الهدف من التربية الجنسية هو تنشئة إنسان سوى لا يعاني من الكبت ولا يعاني من الشذوذ الجنسي ويستمتع بحياته ويعيشها بلا مشكلات أو منغصات.
* المصدر: كتاب الأسرة المسلمة والتحديات المعاصرة، محمد إبراهيم خاطر، دار ابن الجوزي، 2012م