كيف نتخلص من الأسر الجنسي؟
يتعرض الإنسان في هذه الحياة لأنواع عديدة من الأسر، كالأسر السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتعليمي والأسر الجنسي، ونحن جميعاً أسرى وبحاجة لمن يخلصنا من أنواع الأسر التي يعاني منها الإنسان بصفة عامة والإنسان في عالمنا العربي بصفة خاصة، ولا سبيل للتخلص من ذلك الأسر إلا بالتوحيد الخالص لله عز وجل والعودة إلى الكتاب والسنة والرضا بالقضاء والقدر وبما قسمه الله عز وجل لنا من الرزق والعودة إلى الفطرة السوية التي فطر الله الناس عليها وقضاء الشهوة في إطار ما أحله الله عز وجل وهو الزواج. والأسر الجنسي له دلائل كثيرة في حياتنا المعاصرة التي تدور أشياء كثيرة فيها وتتمحور حول الجنس كعلم أو ممارسة أو من باب إثارة الغرائز والشهوات.
وهناك ارتباط بين الجنس والسياسة والفضائح الجنسية طاردت الكثير من الرؤساء ورجال السياسة وأشهرها فضيحة الرئيس الأمريكي الأسبق “بيل كلينتون” مع المتدربة في البيت الأبيض “مونيكا لوينسكي” وفضيحة الرئيس الإسرائيلي “موشى كاتساف” ووزير العدل “حاييم رامون” مع بعض الموظفات وفضيحة رئيس البنك الدولي السابق بول وولفويتز مع إحدى الموظفات والتي أجبرته على تقديم استقالته . وهناك الكثير من الفضائح الجنسية لرؤساء ووزراء ونواب تورطوا في علاقات جنسية كانت سببا في استقالتهم أو إقالتهم من المناصب الهامة التي شغلوها. وبعض القساوسة متورطون في حالات تحرش جنسي بالأطفال والضلوع في فضائح جنسية هزت صورة الكنيسة في الغرب بشدة. والجنس موظف ومعتمد لدى أجهزة الاستخبارات كوسيلة للحصول على المعلومات من المصادر التي تمتلكها والجنس موظف لإلهاء الشعوب وتدمير الأجيال وهو ما تقوم به اسرائيل التي أطلقت قمراً اصطناعياً موجهاً للمنطقة العربية لبث القنوات الإباحية والهدف هو إفساد الشباب العربي.
والغرب حول الجنس إلى تجارة تدر المليارات سنوياً، فقد ذكرت وزارة العدل الأمريكية في دراسة لها أن تجارة الدعارة والإباحية الخلقية تجارة رائجة جداً يبلغ رأس مالها ثمانية مليارات دولار ولها أواصر وثيقة تربطها بالجريمة المنظمة. وتجارة الدعارة تشمل وسائل عديدة كالكتب والمجلات وأشرطة الفيديو والقنوات الفضائية الإباحية والإنترنت. وتفيد إحصاءات الاستخبارات الأمريكية (FBI) أن تجارة الدعارة هي ثالث أكبر مصدر دخل للجريمة المنظمة بعد المخدرات والقمار حيث إن بأيديهم 85% من أرباح المجلات والأفلام الإباحية. وفي الوقت الحاضر يوجد في أمريكا وحدها أكثر من 900 دار سينما متخصصة بالأفلام الإباحية، وأكثر من 15000 مكتبة ومحل فيديو تتاجر بأفلام ومجلات إباحية. ومافيا الدعارة لم ترحم حتى الأطفال ودنست براءتهم تلبية لرغبات الشواذ، وقد تحول ترويج الصور الجنسية في المجلات عن طريق الرياضة والفن وعن طريق المجلات المتخصصة في عرض الصور الإباحية إلى تجارة رائجة، فقد وافقت لاعبة التنس الروسية “ماريا شارابوفا” على الوقوف أمام كاميرا مجلة “سبورتس اليستريتد” وهي ترتدي مايوه السباحة مقابل الحصول على مليون دولار وهذه الصور التي تتصدر صفحات المجلات والصحف هي وسيلة من وسائل زيادة التوزيع والحصول على المزيد من الأرباح. والكثيرات من نجمات السينما والغناء يحصلن على ملايين الدولارات مقابل عدة صور ولقطات جنسية ومجلات البورنو توزع ملايين النسخ في الغرب وفي شتى أنحاء العالم، وفي البلاد التي تفرض فيها رقابة على هذه المجلات الهابطة يقوم البعض بتهريبها عبر المطارات وعبر المنافذ الحدودية.
والكثيرون والمراهقون بصفة خاصة يقعون أسرى للصور الجنسية التي تروج عبر الصحف والمجلات الخليعة وعبر مواقع الانترنت المشبوهة. والأسر الجنسي يؤدي في كثير من الحالات إلى الوقوع في جريمة الزنا وإلى الممارسات المحرمة مع نساء متزوجات، ونقرأ كثيرا عن جرائم قتل بشعة يقوم بها العشيق إما بالتعاون مع الزوجة الخائنة التي باعت نفسها للشيطان والتآمر على قتل الزوج، وإما بمساعدة العشيق على قتل الأطفال الذين لا ذنب لهم لأنهم شاهدوا هذا الفعل المحرم. والبعض يقعون أسرى للإشارات والحركات الجنسية الخليعة والماجنة في أغاني الفيديو كليب ويقعون أسرى للمشاهد الجنسية في المسلسلات والأفلام الهابطة التي يطلق عليها المنحرفون ” أفلام ثقافية ” وهي عن الثقافة جد بعيدة.
والمثيرات الجنسية التي يتعرض لها الشباب والفتيات في الطرق وفي الأسواق والمجمعات التجارية وفي الجامعات ومن خلال الصحف والمجلات والقنوات الفضائية الماجنة ومواقع الإنترنت الإباحية تدفعهم إلى ممارسة العادة السرية التي أصبحت من المشكلات التي يعاني منها الكثير من الشباب والفتيات في مرحلة المراهقة وربما استمرت هذه العادة السيئة بعد الزواج، وهذه العادة المحرمة شرعاً ثبت أن لها أضراراً نفسية وجسدية على من يمارسها، ومنها الشعور بالذنب والانطواء والخجل المرضي والخوف من مواجهة الأسرة والمجتمع، ومنها الإصابة بسرعة القذف عند الشباب وربما أدت إلى تمزق غشاء بكارة الفتاة التي تمارس هذه العادة، والنتيجة هي الحرمان من الاستمتاع بالمعاشرة الزوجية فيما بعد. ولذلك حرص الإسلام على تحرير الإنسان المسلم من هذا الأسر الذي يضيع أثمن ما يملك الإنسان وهو العفة والحياء ويضيع الوقت علاوة على انه يدمر شخصيته ويجلعه رهينة لهذه الصور الفاضحة والمشاهد الخليعة، فالأسير لهذه المناظر لا يؤدي الفرائض ولا يؤدي العمل المطلوب منه سواء كان هذا العمل مذاكرة بالنسبة للطلاب أو عملاً في مزرعة أو مصنع أو مؤسسة، ولا يستطيع كذلك أن يبدع في أي مجال لأنه أسير لتلك الصور والمناظر القبيحة التي تغيب عقله وتشوش فكره وتهدر وقته فيما لا طائل من ورائه.
والزواج هو الإطار الصحيح الذي وضعه الإسلام لقضاء هذه الشهوة عَنْ عَبْدِ الله رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:« يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغْضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ». صحيح مسلم: 3354.
يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله:” إن الزواج هو الطريق الطبيعي لمواجهة الميول الجنسية الفطرية وهو الغاية النظيفة لهذه الميول العميقة “. وهنا يأتي سؤال مهم وهو: كيف نحمي شبابنا وفتياتنا من الوقوع في الأسر الجنسي؟ ونقول إن المنع ليس حلاً ولم يعد ممكناً نظراً لكثرة المثيرات الجنسية من حولنا وتعدد مصادرها والحل هو التنشئة السليمة للأولاد منذ الصغر وتنمية الرقابة الذاتية بداخلهم لمواجهة المغريات والمثيرات الجنسية وتجاوز تأثيراتها السلبية.
ولكي نضمن عدم وقوع الشباب والفتيات أسرى للمشاهد الجنسية وارتكاب المحرمات يجب أن تكون علاقتهم بالله عز وجل قوية، وأن نزرع في نفوسهم تقوى الله عز وجل ومراقبته في السر والعلن والوصول إلى درجة الإحسان والرسول صلى الله عليه وسلم علمنا الإحسان ومراقبة الله عز وجل، فقد ورد في حديث جبريل عليه السلام:” قال: ما الإِحسانُ؟ قال:« أنْ تَعْبُدَ اللَّهِ كأَنَّكَ تَراهُ، فإنْ لم تَكُنْ تَراهُ فإِنَّهُ يراك». صحيح. مسلم 1/37.
ويجب أن نبعدهم قدر الإمكان عن أصدقاء السوء فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل». مسند الإمام أحمد: 8366. ويجب أن نبعدهم عن المثيرات الجنسية، يقول تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}. سورة النور: 21.
ويجب كذلك أن نشغلهم بالأشياء المفيدة، وأن نملأ أوقاتهم بالأنشطة التي تعود عليهم وعلى مجتمعاتهم بالنفع، ومن هذه الأنشطة القراءة والمشاركة في خدمة المجتمع من خلال مراكز العمل التطوعي . وممارسة الرياضة من أهم الوسائل لتخفيف الرغبة الجنسية الجامحة والحادة عند الشباب والفتيات وهي الحل لعلاج العادة السرية لسببين وهما: أولاً: لأنها تشغل وقت الشاب والفتاة فلا يكون هناك مجال للتفكير في الأمور المتعلقة بالجنس ومن المعلوم أن الدورة الجنسية تبدأ بالتخيل والتفكير في الأشياء التي تحدث الإثارة الجنسية. ثانياً: تفرغ الطاقات والشحنات الزائدة بالجسم وبالتالي تقلل الرغبة في الجنس وهذه الرغبة تختلف عن القدرة الجنسية التي تزيد بممارسة الرياضة.
* المصدر: كتاب الأسرة المسلمة والتحديات المعاصرة، محمد إبراهيم خاطر، دار ابن الجوزي، 2012م