كثيرون داخل تركيا وخارجها يودون فوز الرئيس رجب طيب أردوغان بالانتخابات التي ستجرى بعد أيام قليلة في تركيا لكي يستكمل مسيرة النهضة التركية، وآخرون كثر أيضًا يتمنون رحيله عن السلطة، لأنه كما يزعمون مستبد وديكتاتور!
اهتمام عالمي بالانتخابات التركية
الانتخابات التركية من المفترض أنها شأن داخلي، ولكنها باتت تحظى باهتمام عالمي وهو ما دعا مجلة الايكونوميست لكي تكتب على غلاف منشورها الأخير عبارة “أهم استحقاق انتخابي في 2023″، وعليه عبارة “أردوغان يجب أن يرحل” ووصفت الرئيس أردوغان بـ “الديكتاتور”!
ومجلة دير شبيجل الألمانية هي الأخرى حرضت على إسقاط أردوغان في الانتخابات وعنونت غلافها بـ”القيامة أم الفوضى.. ماذا سيحدث إذا خسر أردوغان؟”، وعليه صورة قاتمة للرئيس التركي جالسًا على كرسي مذهب ومكسور من أجزاء مختلفة.
وما يزعج الإعلام الغربي والغربيون عمومًا هو الصعود القوي والمتنامي لتركيا سياسيًا وعسكريًا، بفضل وجود زعيم قوي وشخصية قيادية مثل أردوغان على رأس السلطة في تركيا، التي كانت تسعى للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي الذي وضع العراقيل أمام انضمامها للنادي المسيحي.
وبالنسبة للعرب والمسلمين فإن تجربة حزب العدالة والتنمية في الحكم تعد نموذجًا للتحول الديمقراطي والتخلص من حكم العسكر، وبناء دولة قوية، بالإضافة إلى العزة التي يشعر بها كل مسلم من خلال مواقف أردوغان من القضايا العربية والإسلامية، مع الأخذ في الاعتبار التقارب التركي مع العالمين العربي والإسلامي خلال فترة حكم العدالة والتنمية بعد قطيعة دامت لعقود.
والشخصية المحورية في هذه الانتخابات والتي يُثار حولها الجدل في الداخل والخارج هي شخصية الرئيس أرودغان صاحب الكاريزما والشخصية القوية والسياسة الحكيمة التي مكنته من بناء دولة قوية، والتخلص من التبعية للغرب أو الشرق، وذلك في مقابل معارضة لا تملك رؤية للنهوض بتركيا، ولا تريد لتركيا استقرارًا أو تقدمًا بعيدًا عن فلك الغرب.
وفئة الشباب من الفئات التي تحظى أصواتها باهتمام بالغ في الانتخابات التركية المقبلة، فعددهم يُقدر بنحو 5 ملايين ناخب يمثلون نحو 7.5% من إجمالي عدد الناخبين، وهؤلاء جميعًا ولدوا في ظل حكم حزب العدالة والتنمية الممتد منذ عام 2002 وحتى الآن، وبلا شك هناك قسم كبير من هؤلاء سيصوت للمعارضة رغبة في التغيير مع أنهم لا يدركون هل سيكون هذا التغيير نحو الأفضل أم للأسوأ، ولأن لديهم كما تشير استطلاعات الرأي أحلامًا وطموحات كبيرة وأفكارًا أكثر انفتاحًا.
والرئيس أردوغان حاول في إحدى خطاباته تذكير هذه الفئة بالمعاناة التي كان يعيشها الأتراك وبالإنجازات التي قام بها، ومنها توصيل مياه الشرب النقية لإسطنبول عقب توليه منصب رئيس بلديتها في عام 1994.
تركيا الدولة القوية والمحورية
استطاع حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان خلال عقدين من الزمان تحويل تركيا التي كانت تعاني من أزمات عديدة في جميع المجالات، إلى دولة قوية سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، وأصبحت تتمتع بحضور بارز على المستوى الدولي، فقد وصل عدد ممثليات تركيا في الخارج إلى 260 بعد أن كان من 163، لتصبح إحدى الدول الخمس التي تمتلك أوسع شبكة دبلوماسية في العالم.
وتركيا كان لها حضورها ودورها البارز تجاه العديد من القضايا والمشكلات كما حدث في ليبيا وسوريا، ومساندتها لقطر في مواجهة الحصار الظالم الذي فرض عليها من جيرانها، وشاركت تركيا في تحرير إقليم قره باغ بعد نحو 30 عامًا من الاحتلال الأرمني، وساهمت في حل الأزمات الإقليمية والدولية من خلال اتفاقيات تبادل الأسرى وممر الحبوب عبر البحر الأسود.
ومشكلة الطاقة تمثل العائق الأكبر أمام النهوض التركي، فالاقتصاديون يرون أن مشكلة عجز الميزان التجاري التركي، تكمن في فاتورة استيراد الطاقة التي تزيد عن 50 مليار دولار سنويًا، وفي واردات الذهب، والانطلاقة الجديد لتركيا ستكون بتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة، وقد أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن كشف نفطي بقدرة إنتاجية تصل إلى 100 ألف برميل يوميًّا بولاية شرناق جنوب شرقي البلاد، ووعد بأن الذكرى المئوية لتأسيس الجهورية التركية ستشهد انطلاقة اقتصادية وجيوسياسية جديدة لتركيا، وأن القرن الحادي والعشرين سيكون قرنَ تركيا.
هل أردوغان مستبد؟!
بالتزامن مع الانتخابات التركية شن الإعلام الغربي هجمات مسعورة على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، واتهمه بأنه مستبد وديكتاتور، ولا ندري ما هو دليلهم على ذلك، صحيح أن الرجل باق في السلطة منذ أكثر من 20 عامًا ولكن بانتخابات حرة ونزيهة ورضا وقبول شعبي، والرجل حقق لدولته من الإنجازات ما لم يستطع أي رئيس دولة تحقيقه في تلك المدة الزمنية الوجيزة، ويكفي الرجل أنه حقق لدولته الأمن والاستقرار في محيط عالمي مضطرب، وجعل منها لاعبًا دوليًا له دوره المحوري والمؤثر في العديد من القضايا الدولية، ولهؤلاء أقول اللهم ارزقنا حاكمًا مستبدًا مثل الرئيس أردوغان يجري الانتخابات في موعدها، ويعمل لصالح البلاد والعباد.
أردوغان وتثبيت أركان الديمقراطية
بطيعة الحال لا يمكن الطلب من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التخلي عن السلطة، وهو في قمه مجده وانتصاراته وإنجازاته التي نقلت تركيا نقلة نوعية وجعلت منها دولة قوية مستقلة غير تابعة للغرب أو الشرق، ولكن لأن الرجل زعيم وشخصية بارزة ومؤثرة عالميًا نتمنى أن يحذو حذو شخصيات رمزية عالمية تخلت عن السلطة طواعية وأشرفت على انتقالها بشكل سلسل لقيادات جديدة مثل: مهاتير محمد والراحل نيلسون مانيلا، فهل يفعلها أردوغان؟