المتابع للأوضاع في غزة منذ بدء عملية (طوفان الأقصى)، يدرك أن غزة المجاهدة الصابرة تقف وحدها في مواجهة العالم، فالغرب منحاز بالكلية لإسرائيل ومتعاطف معها، ويقدمها لها ما تحتاجه من دعم مادي ومعنوي من أجل استعادة صورتها التي مرغتها المقاومة بالوحل، والشرق يقف عاجزًا ليس عن وقف الاعتداءات، بل حتى عن إدخال المساعدات الإنسانية للقطاع المحاصر منذ سنوات.
الدعم الأميركي والغربي
من أراد أن يعرف حجم الانتصار الذي حققه المقاومة يوم السبت 7 من أكتوبر، وأن يعرف حجم خسائر الكيان الصهيوني، فلينظر إلى الحجيج الغربي المتواصل لإسرائيل، والذي بدأ بالاتصالات والزيارات المتكررة للرئيس الأميركي جو بايدن، ووزيري الخارجية والدفاع، وتحريك حاملتي طائرات و2000 جندي من مشاة البحرية الأميركية لسواحل الكيان الصهيوني، وتقديم دعم مادي بقيمة 10 مليارات دولار، ووعد الرئيس الأميركي لقادة الكيان الصهيوني بتقديم دعم إضافي يقدر بنحو 13 مليار دولار بعد الحصول على موافقة الكونجرس.
وزيارة رئيس وزراء بريطانيا، والمستشار الألماني، ورئيس وزراء اليونان، والرئيس الفرنسي، وغيرهم من كبار المسؤولين الغربيين.
وهذه الزيارات تؤكد أن بقاء الكيان الصهيوني الغاصب مرتبط ومرهون بالدعم الغربي، وذلك مصداقًا لقول الله عز وجل:{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ} سورة آل عمران: 112.
العجز العربي والإسلامي
في مقابل الدعم الغربي المادي والمعنوي للكيان الصهيوني، ومباركة الجرائم التي يرتكبها بحق الأبرياء، تقف الدول العربية والإسلامية عاجزة ليس عن نصرة إخوانهم في غزة الذين يقتلون ليل نهار وتهدم بيوتهم فوق رؤوسهم، ولكنها تقف عجزهم عن إدخال المساعدات الإنسانية إليهم!
وصحيح أن عشرات الآلاف من العرب والمسلمين خرجوا للشوارع يعبرون عن غضبهم تجاه المجازر التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحق إخوانهم، ويعبرون عن دعمهم لإخوانهم في فلسطين، وغيرتهم على مقدساتهم، ولكنهم بحاجة لأن يحرروا أنفسهم أولًا من قيود الاستبداد، حتى يصبح لحراكهم قيمة ولمطالبهم جدوى.
دلائل انتصار المقاومة
شهد يوم 7 من أكتوبر الجاري بفضل من الله عز وجل نصرًا مؤزرا للمقاومة الفلسطينية على جيش الاحتلال الصهيوني، وتداعيات عملية (طوفان الأقصى) لا تزال مستمرة، والمقاومة انتصرت في هذه العملية، وذلك على الرغم من التضحيات الجسيمة التي يقدمها الفلسطينيون، فالثمن الذي دفعه ويدفعه الاحتلال كبير جدًا بكل المقاييس، فقد فقدَ الاحتلال توازنه وعقله، وتكبد خسائر فادحة: بشريًا، واقتصاديًا، وسياسيًا، وعسكريًا، فقد قتل المئات وجرح الآلاف وأسر العشرات من جنود الاحتلال، وأجبر الاحتلال على إجلاء عشرات الآلاف من سكان المغتصبات.
واقتصاديًا هناك خسائر بمليارات الدولارات، وقد تصل إلى 100 مليار دولار، نتيجة تدهور قيمة الشيكل وخسائر تقدر بنحو 45 مليار، وتوقف حركة الطيران، والشلل التام في القطاع السياحي وخسائر تقدر بنحو 4 مليار دولار، والخسائر الجسيمة في البورصة وتقدر بحوالي 30 مليار، وخسائر في قطاع الطاقة تقدر بنحو 6 مليار دولار، بالإضافة إلى التكاليف المباشرة للحرب، والتي قدرت بنحو 7 مليار دولار خلال الأسبوع الأول فقط.
وإسرائيل في المرحلة المقبلة ستصبح عبئًا اقتصاديًا وسياسيًا على الولايات المتحدة وعلى الغرب المنهك اقتصاديًا من خلال دعمه لأوكرانيا والمليارات التي أنفقها على تسلحيها.
وعلى الصعيد السياسي تعرضت الحكومة اليمينية المتطرفة برئاسة نتنياهو لضربة موجعة ستؤثر حتمًا على مستقبله السياسي إن لم تكن قد قضت عليه بالفعل، فقد أظهر استطلاع للرأي أن 75% من الإسرائيليين يحملون نتنياهو المسؤولية عن التقصير في توفير الحماية لمغتصبات غلاف غزة، وينوي ثلاثة وزراء في حكومته الاستقاله لتحميله المسؤولية كاملة عما جرى يوم 7 من أكتوبر.
وعسكريًا تعرض جيش الاحتلال لهزيمة عسكرية مذلة على أيدي المقاومة، وعملية طوفان الأقصى قتل وأسر فيها المئات من الجنود والضباط، وأجبرت حكومة الاحتلال على إعلان حالة الحرب واستدعاء جميع الاحتياط، وجعلت قادة الاحتلال عاجزين عن اتخاذ قرار بالاجتياح البري لقطاع غزة فضلًا عن الإقدام عليه، وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى إرسال جنرال وضباط للتشاور مع القادة العسكريين في إسرائيل حول العملية البرية، وذلك مؤشر على فشل العملية البرية قبل أن تبدأ، لأن الولايات المتحدة صاحبة خبرات فاشلة في الغزو البري!
وعلى الصعيدين العربي والإسلامي، فقد بثت الروح في القضية الفلسطينية وأعادتها إلى واجهة الأحداث من جديد بعد أن كادت تنسى، ووجهت ضربة قاصمة للتطبيع المجاني الذي تسارعت وتيرته في الفترة الأخيرة.
وعلى الصعيد العالمي ربحت المقاومة نصرًا إعلاميًا لا يقل عن حجم الانتصار العسكري الذي حققته على الأرض، وذلك من خلال التوثيق والتصوير الاحترافي لمجريات عملية (طوفان الأقصى)، والذي أظهر بسالة وشجاعة المقاومين، وجبن وخور جنود الاحتلال.
والناشطون في أنحاء كثيرة من العالم فضحوا الانحياز الغربي لإسرائيل، وكشفوا أكاذيب المسؤولين الإسرائيلين والغربيين بشأن الأحداث الدامية في قطاع غزة.
والمدافعون عن حقوق الإنسان فضحوا الانحياز الأعمى لشبكات إعلامية كبرى مثل: شبكة فوكس نيوز وشبكة بي بي سي.
والكيان الصهيوني خسر المعركة الإعلامية على الرغم من امتلاك اليهود لآلة إعلامية ضخمة على مستوى العالم، ولأول مرة تكسب المقاومة تعاطفًا وتأييدًا واسعًا من قبل شخصيات غربية رفيعة المستوى، ومن قبل كتاب ومفكرين وإعلاميين ومشاهير، ومن قبل الجماهير الغفيرة التي خرجت في عدة عواصم للتعبير عن تضامنها مع الفلسطينيين.
الوعد الإلهي بالنصر
المقاومة سطرت صفحة جديدة في تاريخ النضال الفلسطيني المستمر منذ عقود، وسيكتب لها النصر بإذن الله حتى وإن وقف العالم بأسره ضدها، والموقف في غزة يذكرنا بقول الله عز وجل:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} سورة آل عمران: 173.
وقوله تعالى:{قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} سورة البقرة: 249.
وعن معاوية بن أبي سفيان، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”لا يَزالُ مِن أُمَّتي أُمَّةٌ قائِمَةٌ بأَمْرِ اللَّهِ، لا يَضُرُّهُمْ مَن خَذَلَهُمْ، ولا مَن خالَفَهُمْ، حتَّى يَأْتِيَهُمْ أمْرُ اللَّهِ وهُمْ علَى ذلكَ”. صحيح البخاري: 3641.
وختامًا نقول إن الفلسطينيين عرفوا طريقهم، واختاروا ما بين الموت كشهداء أو الحياة أعزاء. فماذا عنا نحن؟ وماذا قدمنا؟ وكيف نحيا؟ وبأي شيء سنلقى الله عز وجل؟
المصدر: مدونات الجزيرة.