البحث العلمي وانتهاك حقوق الإنسان
أسدى البحث العلمي ولا شك خدمات جليلة للإنسانية وأنقذ أرواح الملايين من البشر من هلاك محقق ومكن الكثيرين من الحصول على حقوق كانت صعبة المنال في الماضي ولكن مجال البحث العلمي لم يعد مجالاً إنسانياً خالصاً كما أريد له وكما ينبغي أن يكون في كل العصور فمع التطور الهائل الذي حدث في كل المجالات تحول البحث العلمي إلى أداة ووسيلة لانتهاك حقوق الإنسان!
ومراكز البحث العلمي تحولت إلى وسيلة للتضليل فبعض الشركات تقوم بدفع أموال لهذه المراكز وتطلب منها اصدار دراسات وأبحاث تشجع على استهلاك المواد التي ينتجونها وتشكك في الأضرار التي تسببها وتحولها إلى منافع!
وانتهاكات حقوق الإنسان حدثت نتيجة ابتعاد القائمين على البحث العلمي عن الدين وعن الضوابط الشرعية وابتعادهم عن الأخلاقيات والأهداف الإنسانية فتحول البحث العلمي إلى مصدر للثراء وتحقيق أكبر قدر من الأرباح وتحول إلى مصدر لبسط النفوذ والسيطرة على الآخرين وبذلك أصبح البحث العلمي سبباً من أسباب شقاء البشرية وزيادة معاناتها وليس سبباً لإسعادها.
والبحث العلمي أنتج الكثير من الأسلحة الفتاكة والمدمرة التي يمكن أن تفجر كوكب الأرض وتبيد جميع سكانه والآثار المدمرة للقنابل الذرية التي ألقيت على هيروشيما ونجازاكي وأسلحة الدمار الشامل الأخرى خير دليل على خطورة البحث العلمي عندما يُوظفه البعض لأغراض تضر بالإنسان وبالبيئة أو عندما يُستغل لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية أو عسكرية. والبحث العلمي أنتج الكثير من الأدوية التي تسببت في أعراض جانبية خطيرة وأدت إلى ظهور أمراض جديدة فحسب دراسة لمنظمة الصحة العالمية ثبت أن 25 – 35 % من الأمراض الحالية التي تصيب الإنسان تنتج عن مضاعفات جانبية للأدوية الكيميائية والسبب في ذلك هو الطابع التجاري لشركات الأدوية العالمية وتقول منظمة الصحة العالمية إن معظم الأدوية المحمية تباع بما يعادل 20 إلى 100 ضعف ثمن إنتاجها!
والرغبة في جني الأرباح دفعت أصحاب شركات الأدوية إلى طرح عدد من الأدوية بالأسواق قبل استكمال التجارب اللازمة عليها وبين حين وآخر نسمع عن قيام شركة من شركات الأدوية الكبرى بسحب نوع أو أكثر من الأدوية من الأسواق بسبب الأعراض الجانبية الخطيرة التي يسببها للمرضى وعدم استكمال التجارب على الأدوية واللقاحات الجديدة التي تنتجها شركات الأدوية في الغرب كان سبباً في المخاوف المتزايدة من الخطورة المحتملة لهذه الدوية واللقاحات وهو ما ظهر جلياً من خلال عدم ثقة الكثير من الناس في الغرب والشرق في اللقاحات الخاصة بانفلونزا الخنازير وما زال الجدل حولها متواصلاً.
ومن صور انتهاكات شركات الأدوية لحقوق الإنسان الاعتداء على حرمة وسلامة الجسد وتعريضه لمخاطر صحية وأمراض مستعصية وذلك عن طريق قيام هذه الشركات بإجراء تجارب على الأدوية الجديدة بدون الحصول على موافقة مسبقة من الأشخاص الذين يخضعون لهذه التجارب وبدون علم بالأضرار والآثار الجانبية التي سيتعرضون لها وهذه الشركات تستخدم الأطفال في الدول الفقيرة كفئران تجارب وتجري عليهم اختبارات طبية لأنواع مختلفة من الأدوية والعقاقير وهناك فضائح كثيرة تتلعق بهذا الأمر اكتشفت في الهند وفي غيرها من الدول. والبحث العلمي بصفة عامة وفي مجال الأدوية بصفة خاصة أصبح أداة من أدوات التمييز بين البشر فهناك فئات قليلة تحصل على الأدوية الجديدة بينما يُحرم ملايين البشر منها والسبب في ذلك هو حماية الملكية الفكرية!
وأدى غياب الأخلاقيات عن البحث العلمي في المجال الطبي إلى دخول الإنسان إلى المناطق المحظورة في جسم الإنسان واللعب في الجينات والتحكم في خصائص الأجنة وفي صفاتها الوراثية والعلاج الجيني يتم في بعض الأحيان لمعالجة بعض الأمراض الوراثية ولكنه قد يستخدم لأغراض أخرى تضر بالجنس البشري.
والبحث العلمي أدى كذلك إلى حدوث مفاسد أخلاقية وذلك من خلال تجميد البويضات والحيوانات المنوية واستخدامها في التلقيح الصناعي بدون ضوابط وهو ما يؤدي إلى اختلاط الأنساب وضياع الحقوق. والبحث العلمي ساهم في التضليل والخداع وإشاعة الفاحشة في المجتمعات المحافظة وذلك بإنتاج أنواع مشابهة لغشاء البكارة.
والتقنيات المتطورة هي نتاج بحث علمي متواصل يسعى إلى تطوير قدرات الأجهزة والمعدات وتسهيل المهمات التي يريد الإنسان القيام بها حتى ولو كان مخالفاً لطبيعة الأشياء أو ينتهك حق الإنسان في الخصوصية واحترام جسم الإنسان وعدم إظهار ما يريد الإنسان أن يخفيه عن الآخرين. ومن التقنيات المتطورة التي تنتهك الخصوصيات الكاميرات الحرارية الدقيقة التي توضع للمراقبة في المطارات وغيرها وتظهر جسم الإنسان بأدق التفاصيل وهو انتهاك واضح للخصوصية لا يبرره الخوف من وقوع الأعمال الإرهابية فهناك طرق أخرى يمكن من خلالها إتمام عملية التفتيش دون المساس بالخصوصية.
والرغبة في توسيع نطاق السيطرة وغياب الأخلاقيات عن البحث العلمي وسع دائرة الصراع بين الدول المتقدمة ونقلها إلى الكواكب الأخرى ودفع هذه الدول لإجراء تجارب خطيرة على سطح الكواكب الأخرى وبعض هذه التجارب يدخل في إطار العبث في مخلوقات الله عز وجل وينذر بعواقب وخيمة في المستقبل وكان الأحرى بهم أن يسعوا لحل المشكلات الكثيرة التي تواجه البشرية على كوكب الأرض وتهددها بالفناء. والبحث العلمي أدى إلى إنتاج مواد ومركبات ضارة بالبيئة وهذه المواد تسببت في حدوث الكثير من الكوارث البيئية في الماضي والحاضر وظاهرة الاحتباس الحراري هي الحصاد المر للبحث العلمي أحادي الرؤية الذي أهمل وسائل الأمان والسلامة وسعى إلى توفير أكبر قدر من الرفاهية للإنسان فأضر بهذا الإنسان ولوث بالبيئة المحيطة به وأخل بالتوازن الطبيعي في الكون يقول الله عز وجل: { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} سورة القمر: 49.
وتدخل الإنسان في الكثير من الأشياء أفسدها وعطل الوظيفة التي خلقت من أجلها وأفسد التناغم الطبيعي في الكون ومعاناة البشرية اليوم هي نتيجة حتمية لهذا التدخل الخاطئ يقول الله عز وجل:{ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} سورة الروم: 41.
البحث العلمي والغذاء
ساهم البحث العلمي في توفير الغذاء لملايين البشر في العالم وأنقذهم من خطر المجاعات وجنبهم الصراع على الغذاء ولكن الإنسان وأثناء سعيه لزيادة إنتاج المحاصيل الزراعية أهمل جانب الأمن والسلامة في الغذاء فبدأ في إنتاج ما يعرف بـ “الأغذية المعدلة وراثياً” والتي لا يعلم أحد حتى الآن حجم المخاطر التي تحملها هذه الأغذية وهو ما دعا نشطاء البيئة وحقوق الإنسان في الغرب إلى التحذير من تناول هذه الأغذية. والأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا يقول:”إن انتشار استهلاك المحاصيل المعدلة وراثياً سيصبح أكبر كارثة بيئية على مر العصور. وقال إن شركات الأغذية المتعددة الجنسيات تجري تجربة هائلة على الطبيعة وعلى البشرية بأكملها وانها سارت في منحى خاطيء بشكل خطير”. والكثير من الأغذية التي يتناولها الناس اليوم صارت مصدراً رئيسياً للعديد من الأمراض وذلك لأنها أغذية ملوثة فالأغذية الطازحة كالخضروات والفواكه ملوثة بالمبيدات الكيماوية واللحوم ملوثة بالهرمونات والأغذية المعلبة ملوثة بالمواد الحافظة وبالإضافات التي تشمل الألوان الصناعية ومكسبات الطعم والرائحة.
وهناك نقطة في غاية الأهمية يغفل عنها الكثيرون وهي أن الأمن الغذائي ليس قاصراً على توفير احتياجات الشعوب من الغذاء وإنما يشمل أيضاً سلامة هذا الغذاء وعدم احتوائه على عناصر أو مكونات ضارة بجسم الإنسان. والدور الذي يجب أن يقوم به البحث العلمي حالياً هو توفير غذاء آمن خال من الملوثات الطبيعية والصناعية.
البحث العلمي والطاقة
أسهم البحث العلمي في توفير أنواع عديدة من الطاقة مكنت الإنسان من تطوير الصناعة ومن الحصول على أكبر قدر ممكن من الرفاهية. والطاقات التي وفرها البحث العلمي للإنسان منها ما هو نافع وصديق للبيئة ومنها ما ضار وملوث للبيئة. فمن الطاقات النظيفة الطاقة المتولدة من مساقط المياه والتي تستخدم في توليد الكهرباء ومنها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وكلها مصادر أمنة ومتجددة. ومن الطاقات الملوثة للبيئة الطاقة الناتجة من الفحم ومن البترول والطاقة الناتجة من المفاعلات النووية.
وآخر ما أسفر عنه البحث العلمي من نتائج في مجال الطاقة هو الحصول على الطاقة من المحاصيل الزراعية وهو ما يعرف بـ “الوقود الحيوي” وهو أمر في غاية الخطورة ففي الوقت الذي وصل فيه عدد الجياع في العالم إلى مليار نسمة يستخدم البعض المحاصيل الزراعية كالذرة وقصب السكر وغيرها من المحاصيل في إنتاج الطاقة! واستخدام المحاصل الزراعية في إنتاج الطاقة له مخاطر عديدة منها إهدار كميات كبيرة من الماء في زراعة هذه المحاصيل والحجم الكبير للمخلفات الناتجة عن استخلاص الوقود الحيوي منها.
ومشكلة التلوث التي يعاني كوكب الأرض سببها رغبة البعض في تحقيق أكبر عوائد ممكنة من عمليات التصنيع والإنتاج وما يتطلبه ذلك من استهلاك كبير بل ومفرط للطاقات غير النظيفة وحل هذه المشكلة يمكن في الحد تدريجياً من استخدام الطاقات الملوثة للبيئة والتوسع في استخدام الطاقات النظيفة وهذا الأمر لم يعد خياراً يمكن قبوله أو رفضه أو حتى تأجليه إلى حين فقد أصبح ضرورة ملحة لإنقاذ هذا الكوكب وانقاذ سكانه من هلاك محقق إذا ظلت الأمور على ما هي عليه الآن.
تصحيح المسار
حاول العالم السويدي “ألفريد نوبل” أن يتخلص من (الإثم) الذي تسبب فيه باكتشافه للديناميت الذي استخدم في القتل والتدمير فأوصى بكل الثروة التي حصل عليها من اختراعه لكي تقدم كجائزة لكل من يسهم في خدمة الإنسانية فكانت “جائزة نوبل” وهذه الجائزة لها قيمتها عند العلماء والأدباء وعند الساسة أيضاً وقد حاول “ألفريد نوبل” أن يكفر بهذه الجائزة عن الخطيئة التي ظن أنه ارتكبها بحق البشرية.
واكتشاف الديناميت هو خير مثال على الدور الثنائي المهم والخطير الذي يقوم به البحث العلمي فالدور المهم هو تحقيق السعادة للبشرية إذا وظف التوظيف الصحيح وهو في هذا المثال استخدام الديناميت في شق الطرق والأنفاق وتسهيل حركة المرور واستخراج المعادن من باطن الأرض أما الدور الخطير الذي يقوم به البحث العلمي فهو إنتاج مواد ضارة بالإنسان وضارة بالبيئة والضرر في هذا المثال هو استخدام الديناميت في القتل والتدمير. والبحث العلمي اليوم هو بحث أعور أو أعرج يرى بعين واحدة ويسير على قدم واحدة والطريق التي يسير فيها هي طريق الشر والغواية ولذلك فإن البحث العلمي في عالمنا المعاصر بحاجة إلى تصحيح المسار لأنه أخذ منحى خطيراً يوشك أن يورد البشرية موارد التهلكة وبوادر هذه التهلكة تلوح في الأفق ولذلك فإن على العقلاء في العالم أن يدركوا خطورة ما يجري الآن في مراكز البحث العلمي وأن يعملوا على ضرورة وضع ضوابط أخلاقية للبحث العلمي.. ضوابط تضمن سير البحث العلمي في الطريق الصحيح وهو خدمة البشرية وليس السعي لتدميرها وتدمير الحضارة الإنسانية.