على مدى أكثر من مئة عام نجح الكيان الصهيوني في الإفلات من الجرائم التي ارتكبها بحق الفلسطينيين والعرب، ولكن الأحداث الأخيرة في غزة قادته إلى محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب إبادة جماعية في غزة.
وعدد من قادة الكيان الصهيوني الغاصب وعلى رأسهم رئيس الوزراء نتنياهو باتوا يترقبون صدور قرارات توقيف بحقهم من قبل المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما تعمل الولايات المتحدة على منع صدورها.
وفي الماضي وقبل السابع من أكتوبر كانت هناك مكاسب ومنافع يجنيها من يدعمون الكيان الصهيوني، كالفوز في الانتخابات الأميركية، والبقاء على كراسي الحكم في العديد من الدول العربية والإسلامية، وتحقيق مكاسب اقتصادية من التعاون التجاري مع الكيان الصهيوني ومع الولايات المتحدة، ولكن بعد السابع من أكتوبر تحولت هذه المكاسب والمنافع إلى أعباء وخسائر سياسة واقتصادية بل واجتماعية، فمن يدعمون الكيان الصهيوني يعرضون مناصبهم ومستقبلهم السياسي للخطر، وقد يخسر الرئيس الأميركي جو بايدن الانتخابات في أميركا نتيجة موقفه الداعم للإبادة الجماعية في غزة.
وعلى الصعيد الاقتصادي تكبدت الشركات الداعمة للكيان الصهيوني خسائر فادحة نتيجة حملات المقاطعة، وشركة كنتاكي أغلقت أكثر من 100 فرع لها في ماليزيا.
وعلى الصعيد الاجتماعي هناك المظاهرات شبه اليومية التي خرجت في العديد من دول العالم، وهذه المظاهرات تحمل رسائل سياسية لداعمي الكيان الصهيوني.
فضح المنظومة الغربية
الأحداث في غزة وتداعياتها على الصعيد الإنساني، فضحت المنظومة الغربية برمتها، وكشفت للعالم أجمع أكذوبة حقوق الإنسان التي يروج لها الغرب ويزعم كذبًا وزورًا أنه يدافع عنها.
وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب التي ترتكب في غزة لم تحظ بإدانة غربية، ولم نجد من القادة الغربية سوى التأكيد على ضمان أمن إسرائيل، والمطالبة الفورية بعودة الأسرى، وفي الوقت ذاته نجدهم يغضون الطرف عن أكثر من 30 ألف شهيد، ومائة ألف مصاب، والدمار الشامل للقطاع، واستهداف البشر والحجر.
والكثير من المفاهيم الغربية توارت خجلًا، وفي مقدمتها حرية الرأي والتعبير التي ضاق بها القادة الغربيون ذرعًا، وسمحوا لقوات الأمن باعتقال الطلاب وأعضاء هيئات التدريس في الجامعات الغربية، لأنهم عبروا عن تضامنهم مع غزة!
التضامن العالمي
قبل السابع من أكتوبر كانت هناك تحضيرات لإنهاء القضية الفلسطينية، ولكن طوفان الأقصى أحيت القضية من جديد، ونجحت في كسب تعاطف الملايين حول العالم، والدليل على ذلك المظاهرات التي عمت دول العالم، والاحتجاجات الطلابية في عدد كبير من الجامعات الأميركية والغربية.
وطوفان الأقصى عزز السردية الفلسطينية والحق الفلسطيني، وفضح الكيان الصهيوني وداعميه من القادة الغربيين، ورأينا عدد من النشطاء في الغرب وهم يهاجمون المسؤولين الغربيين ويتهمونهم بالمشاركة في ارتكاب جرائم إبادة، وتعرض جو بايدن الرئيس الأميركي للمقاطعة في مهرجان انتخابي في إحدى الولايات.
صناعة قدوات حقيقية
الجيل الحالي يعاني من عدم وجود قدوات حقيقية، وفي المقابل هناك قدوات زائفة تحتل منصات التواصل الاجتماعي وتسهم في تغييب الوعي ونشر التفاهة والسطحية، ولكن الأحداث في غزة والتي تلت عملية طوفان الأقصى، قدمت قدوات للجيل الجديد، ويأتي في مقدمتها أبو عبيدة الناطق باسم كتائب القسام، ويحيى السنوار، وإسماعيل هنية، وعدد من الشهداء الذين ارتقوا خلال العدوان على غزة كالشهيد الأنيق، ومحمد أبو سلمية مدير مركز الشفاء الطبي، والإعلامي وائل الدحدوح وزملاؤه، وغيرهم الكثير.
تجديد الإيمان في القلوب
الأحداث في غزة أرتنا الكثير من آيات الله عز وجل، والتي كنا نقرأ ونسمع عنها، ونظنها ضربًا من الخيال والأساطير، فالله عز وجل يقول تعالى:{ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ} سورة المائدة: 23. والمقاومة دخلت عليهم الباب في السابع من أكتوبر وكان ذلك نصرًا بحد ذاته.
ويقول تعالى:{كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} سورة البقرة: 249. والفئة القليلة المجاهدة في غزة غلبت الكيان الصهيوني وداعميه من الغرب ومن الدول العربية والإسلامية.
ويقول تعالى:{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} سورة الأنفال: 17. ولقد سدد الله رمي المجاهدين ودمر آلياتهم ومدرعاتهم التي يتفاخرون بها بأسلحة بدائية الصنع.
ويقول تعالى:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} سورة الحج: 40. وقد نصر الله أهل غزة في مواجهة العالم الذين انقسم ما بين متواطئ ومتخاذل، وقلة قليلة خرجت لمناصرتهم.
ويقول تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} سورة الحج: 38.
الفعل اليسير والنجاح الكبير
النجاحات التي تحققت في فلسطين تحققت بفضل الله عز وجل، فهو صاحب الفضل والمنة وهو ناصر عباده المؤمنين، يقول الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} سورة محمد: 7-8.
وأسباب النصر الذي تحقق في غزة رغم فداحة الخطب والألم، هي الإيمان العميق بالله عز وجل والاعتماد عليه وحده، والشجاعة والبسالة في الدفاع عن الحقوق والمقدسات، والإعداد الجيد لمعركة طويلة الأمد مع الكيان الصهيوني وداعميه من الغرب ومن العرب، والحرب النفسية التي قادها أبو عبيدة بجدارة، والصمود الأسطوري لأهل غزة في مواجهة القتل والتدمير واستهداف البشر والحجر، وفي مواجهة الحصار الخانق والتجويع والحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية.
المصدر: عربي بوست