عملية طوفان الأقصى وتداعياتها المستمرة منذ السابع من أكتوبر الماضي وحتى اليوم تمثل في جوهرها اختبارًا للجميع، وقد خرج البعض -وهم قليل- من ذلك الاختبار بنجاح وهامة مرفوعة، بينما رسب فيه الآخرون -وهم كثر- لأنهم تخلوا عن إنسانيتهم وغيبوا ضمائرهم.
الاختبار الأول: الإنسانية
الاختبار الأول من اختبارات طوفان الأقصى هو اختبار الإنسانية، وهناك دول نجحت في ذلك الاختبار وفي مقدمتها دولة جنوب أفريقيا، التي رفعت دعوى قضائية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية تتهمها فيها بارتكاب إبادة جماعية في غزة، ومنها أيضًا الدول الجديدة التي اعترفت بالدولة الفلسطينية وهي: إسبانيا وأيرلندا والنرويج، ومنها تركيا التي ضحت بتجارة تقدر بنحو 10 مليار دولار مع إسرائيل.
وذلك الاختبار نجح فيه وبامتياز أساتذة وطلاب الجامعات الأميركية والغربية، ونجح فيه كذلك عدد من الجامعات العالمية التي أعلنت عن وقف تعاونها الأكاديمي والبحثي مع جامعات ومراكز البحوث في الكيان الصهيوني، أو التي قررت سحب استثماراتها في شركات ذلك الكيان الغاصب.
ونجح فيه كذلك كل من ساند الفلسطينيين بالقول أو الفعل أو المال، وجميع من خرج وتظاهر تعبيرًا عن رأيه، ورفضه للمجازر التي ترتكب في غزة، وأعلن مساندته للقضية الفلسطينية.
وفي المقابل رسب في ذلك الاختبار السلطة الوطنية الفلسطينية التي تتعاون مع الاحتلال وتوفر له الحماية، والدول العربية والإسلامية التي دعمت الكيان الصهيوني في حربه على القطاع، ولم توفر للفلسطينيين في غزة الحد الأدنى من الحماية أو من المقومات الأساسية للحياة.
ورسب فيه كذلك مئات الملايين من البشر وبخاصة في الدول العربية والإسلامية، وذلك لأنهم صمتوا صمت القبور على ما يحدث لإخوانهم في غزة، ولم يحركوا ساكنًا لنصرتهم.
وبطبيعة الحال رسب فيه الصهاينة العرب من مسؤولين وإعلاميين وفنانين، حملوا المقاومة المسؤولية عن الأحداث التي تلت عملية طوفان الأقصى، وساووا بين الضحية والجلاد، وظهروا في إعلانات الشركات التي تدعم الكيان الصهيوني في محاولة بائسة منهم لكسر المقاطعة التي آتت أكلها، وكبدت الشركات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي خسائر فادحة.
الاختبار الثاني: العروبة
الاختبار الثاني هو اختبار العروبة، وقد رسب فيه العرب مجتمعون رسوبًا مذلًا ومهينًا، وبخاصة القومجيين منهم، والذين لم يحركوا ساكنًا دفاعًا عن إخوانهم في مواجهة حثالة من شذاذ الآفاق الذين جاءوا من الشتات ومن أصقاع الأرض واحتلوا فلسطين بمساعدة الدول الكبرى.
وجامعة الدول العربية والمفترض أنها الإطار الجامع للعرب وللدول العربية والمدافع عن حقوقهم، لم توفر للفلسطينيين أي دعم يذكر في مواجهة آلة القتل الإسرائيلية التي تحصد أرواح الفلسطينيين والعرب منذ مائة عام.
وليت الأمر اقتصر على الصمت والخذلان من جانب الدول العربية، فهناك دول عربية تحاصر غزة، وهناك دول أخرى تمد الكيان الصهيوني بالطاقة وبالغذاء!
الاختبار الثالث: الإيمان
الاختبار الثالث هو اختبار الإيمان، ونحسب أن إخواننا في غزة نجحوا في ذلك الاختبار بجدارة وامتياز، والدلائل على ذلك كثيرة ومنها تأييد الله عز وجل لهم في مواجهة العالم بأسره، يقول الله عز وجل:{قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} سورة البقرة: 249.
ويقول الله عز وجل:{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ ۚ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} سورة الأنفال: 17.
ومن دلائل الإيمان الصبر العجيب على الموت والدمار، وعلى فقد الأهل والأحباب، وعلى التعرض للجرح والإصابة، وعلى فقد المال والممتلكات، وعلى التهجير والمجاعة، يقول الله عز وجل:{وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} سورة البقرة: 155-157.
ورسب في ذلك الاختبار المنافقون والمرجفون والمثبطون، ومن حملوا المقاومة المسؤولية عن تداعيات طوفان الأقصى، ومن شككوا في قدرة المجاهدين على مواجهة أعدائهم.
ورسب في ذلك الاختبار أيضًا الملحدون (الكيوت) -كما يصفهم المهندس فاضل سليمان- الذين يتساءلون عن ذنب الأبرياء والأطفال الذين قتلهم الصهاينة، وعن حقيقة وجود الله الذي يوصف بالرحيم.
الاختبار الرابع: التغيير
الاختبار الرابع الذي فشل فيه الكثيرون، هو اختبار التغيير نحو الأفضل على المستوى الشخصي، فعلى الرغم من أن طوفان الأقصى غير العالم بأسره، نجد كثيرين لم تتغير اهتماماتهم، وظلوا عاكفين على تفاهاتهم وتفاهة من يتابعونهم من المشاهير، وغيرهم ممن ظلوا يمارسون حياتهم الطبيعية، ويعيشون كما تعيش البهائم على الأكل والشرب والنوم والسفاد، وبطبيعة الحال لا يمكن أن نلوم البهائم على ذلك، لأنها غير مكلفة وتؤدي الوظيفة التي خُلقت من أجلها، أما الإنسان الذي كرمه الله عز وجل بالعقل والعلم وأسجد له ملائكته، وخلقه لعبادته فإن اكتفى بعيشة البهائم يصبح في مرتبة أدنى منها، يقول الله عز وجل:{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} سورة الفرقان: 44.
ومن مظاهر الفشل في اختبار تغيير نمط الحياة العجز عن المساهمة ولو بالقليل في دعم صمود الفلسطينيين في مواجهة الاحتلال الصهيوني الغاشم، والعجز حتى عن مقاطعة الشركات الداعمة لإسرائيل، والاستمرار في متابعة من يدعمون ذلك الكيان الغاصب من المشاهير.
كيف ننجح في اختبار طوفان الأقصى؟
لا تزال هناك فرصة لمراجعة أنفسنا في مواجهة ذلك الاختبار الحقيقي، والحد الأدنى المطلوب للنجاح في ذلك الاختبار، هو أن تكون إنسانًا، وأن تشعر بالظلم الواقع على الفلسطينيين، وأن تنتصر للمظلومين وتقف بجانبهم في مواجهة من تكالبوا عليهم، وليس وراء ذلك حبة خردل من الإنسانية.