للخيل أهمية كبرى عند كل من العرب والأتراك، ولعبت دورًا هامًا في مسيرتهم عبر التاريخ، وقد تميزت بجمالها وقوتها وسرعتها، وأصبحت رمزًا للقوة والفروسية، وارتبطت ارتباطًا وثيقًا بثقافتهم وحضارتهم.
الخيل في القرآن والسنة
تنبع أهمية الخيل من استخدامها في الجهاد والدفاع عن الدين، وكوسيلة للنقل والتنقل، وكونها زينة، بالإضافة إلى قيمتها المالية الكبيرة والتي تمثل ثروة لمن يربونها.
وقد حظيت الخيل بمكانة عالية في الإسلام، حيث ورد ذكرها في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في مواضع متعددة، مما يدل على أهميتها وقيمتها الكبيرة، يقول الله عز وجل:{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} سورة آل عمران: 14.
والخيل كان دورها حاسمًا في الحروب، وكانت من عناصر التفوق الحربي، يقول الله عز وجل:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} سورة الأنفال: 60.
والخيل تستعمل في الركوب، وفوق ذلك فهي زينة تسر الناظرين، يقول الله عز وجل:{وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} سورة النحل: 8.
ويقول الله عز وجل:{وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} سورة الإسراء: 64.
وفي قصة سليمان عليه السلام وصف ومدح للخيل وهي واقفة “الصَّافِنَاتُ” وجارية “الْجِيَادُ”، يقول الله عز وجل:{إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ} سورة ص: 31.
ويقول الله عز وجل:{وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} سورة الحشر: 6.
الخيل في السنة النبوية
ورد في السنة النبوية الكثير من الأحاديث التي تُرغب في اقتناء الخيل ورعايتها، وتبين الخير والأجور المترتبة على ذلك، فعن عروة بن أبي الجعد البارقي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”الخَيْرُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِي الخَيْلِ إلى يَومِ القِيَامَةِ”. صحيح البخاري: 3643.
وعن جرير بن عبدالله رضي الله عنه، قال: رَأَيْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَلْوِي نَاصِيَةَ فَرَسٍ بإصْبَعِهِ، وَهو يقولُ:”الخَيْلُ مَعْقُودٌ بنَوَاصِيهَا الخَيْرُ إلى يَومِ القِيَامَةِ: الأجْرُ وَالْغَنِيمَةُ”. صحيح مسلم: 1872.
وعن تميم الداري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”منِ ارتَبطَ فرسًا في سبيلِ اللَّهِ، ثمَّ عالَجَ علفَهُ بيدِهِ، كانَ لَهُ بِكُلِّ حبَّةٍ حسَنةٌ”. أخرجه ابن ماجه: 2791.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”الخيلُ ثلاثةٌ: هي لرجُلٍ أجرٌ، ولرجُلٍ سِترٌ، وعلى رجُلٍ وِزرٌ”. صحيح ابن حبان: 4671.
فهي أجر لمن اتخذها أو حبسها في سبيل الله عز وجل، وهي ستر لمن اقنتاها بغرض الركوب أو الحمل عليها، وهي وزر على من راهن أو قامر عليها، أو استعملها في معصية لله عز وجل.
الخيل عند العرب والأتراك
العرب والأتراك يجمعهما تاريخ طويل مشترك، فقد تفاعلوا مع بعضهم البعض ثقافيًا واقتصاديًا وسياسيًا لعدة قرون، ولعبت الفروسية دورًا هامًا في ربط ثقافتيهما وحضارتيهما.
وساهم التبادل الثقافي بين العرب والأتراك في نشر ثقافة الفروسية في كلتا المنطقتين، وتبادل العرب والأتراك الخبرات والمعارف في مجال تربية الخيول وركوبها، وهو ما أدى إلى تحسين سلالات الخيول في كلا المنطقتين، وتُعد الخيول عنصرًا هامًا في الثقافة العربية والتركية، وتتجلى هذه الأهمية في العديد من الفنون والآداب المرتبطة بالخيل والفروسية.
والتبادل التجاري بين العرب والأتراك ساهم في انتشار الخيول العربية في مختلف أنحاء آسيا، وشارك كل من العرب والأتراك في العديد من مسابقات الفروسية، وتشمل: سباقات التحمل، وقفز الحواجز، والسباق المسطح، ومسابقات الجمال، وهذه المسابقات ساهمت في تعزيز الروابط الثقافية بين الحضارتين.
الخيل عند العرب
الخيل عند العرب تعد رمزًا للقوة والكرم والشجاعة، وتجسدت هذه المكانة في الشعر والأدب العربي، واعتمد العرب على الخيول في العديد من جوانب حياتهم، مثل التنقل والصيد والحرب، وشبه الجزيرة العربية تشتهر بتربية أشهر سلالات الخيول في العالم، مثل الخيل العربية الأصيلة، المعروفة بذكائها وجمالها وسرعتها.
ويعود اهتمام العرب بالخيول إلى آلاف السنين، فتاريخها يعود إلى 5000 عام قبل الميلاد، حيث نشأت الخيول العربيّة في صحراء شبه الجزيرة العربيّة، وصارت جزءًا لا يتجزأ من حياتهم البدوية، فقد استخدموها في التنقل والحرب والصيد، ولعبت دورًا حيويًا في التجارة عبر الصحراء العربية.
وأتقن العرب فنون تربية الخيول ورعايتها، ووضعوا أنظمة متطورة لتربية الخيول الأصيلة، وأنفقوا عليها الكثير من الأموال، وبرزت مكانة الجواد العربي الأصيل، المعروف بجماله وسرعته وقدرته على التحمل، كرمز للثروة والجاه.
وارتبطت الخيول عند العرب بشكل وثيق بصفات الكرم والشجاعة والفروسية، فكانت رمزًا للبأس والقوة، والفرسان كانت لهم مكانة مرموقة بين أفراد القبيلة، وقد اشتهر العرب بمهاراتهم الفائقة في الفروسية، حيث كانوا يتقنون فنون ركوب الخيل والقتال عليها.
واحتلت الخيول مكانة بارزة في الأدب العربي، فقد ورد ذكرها في العديد من القصائد والأشعار، وتم تشبيهها بصفات الفارس النبيل، وظهرت الخيول أيضًا في الفنون العربية، مثل الرسوم والمنحوتات، وهو ما يعكس أهميتها الثقافية لدى العرب، يقول امرؤ القيس في معلقته وهو يصف فرسه وصفًا عجيبًا:
مِكَرٍّ مفرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ معًا كجلمودِ صخْر حطه السيل من علِ
كميت يزل اللبد عن حال متنه كما زَلّتِ الصَّفْواءُ بالمُتَنَزّلِ
ويقول عنترة بن شداد في معلقته:
فَاِزوَرَّ مِن وَقعِ القَنا بِلَبانِهِ وَشَكا إِلَيَّ بِعَبرَةٍ وَتَحَمحُمِ
لَو كانَ يَدري ما المُحاوَرَةُ اِشتَكى وَلَكانَ لَو عَلِمَ الكَلامَ مُكَلِّمي
ويقول أبو الطيب المتنبي مفاخرًا بنفسه:
الخَيْـلُ وَاللّيْـلُ وَالبَيْـداءُ تَعرِفُنـي وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَـمُ
ويقول:
أعز مكان في الدنى سرج سابح وخير جليس في الزمان كـــتاب
الخيل عند الأتراك
للخيل مكانة وأهمية كبيرة في حياة وتاريخ الأتراك، والدراما التركية التاريخية اهتمت بإظهار العلاقة المتبادلة بين الفارس والخيل، والتي تتميز بالقرب والحميمية، والمشاركة الوجدانية، ويقوم فيها الخيل بدور المنقذ للفارس في بعض الحالات.
وقد ورد في تقرير نشر على موقع (ترك برس):”أن الأتراك كانوا أول من ركب الحصان، فقد حاربت الإمبراطوريات السلجوقية والعثمانية وحتى الهونية باستخدام الأحصنة ضد الأعداء، وبفضل الأتراك انتشرت شهرة ركوب الحصان التركي إلى الهند، وإيران، والعراق وحتى إلى الأقوام الأوروبية وعلى رأسها الصينيون الذين تعلموا ركوب الحصان من الأتراك. وتقول مصادر صينية حول هذا الموضوع إن “حياة الأتراك متعلقة بحصانهم”.
وهناك بعض السّمات والخصائص للحصان في الثقافة التركية، فالحصان الجيد يجب أن يكون سريعا، ولا يتعب بسرعة، ومن أهمها أنه يجب أن ينذر صاحبه قبل وقوع الخطر، ولا يترك فارسه إن مات، وإن أصاب صاحبه مكروه يأخذه إلى مكان آمن”.
ونشر على الموقع نفسه:”أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ذكر أن أي مجتمع تعايش مع الخيول وتعامل وتكامل معها، شهد مرحلة نمو وتقدم وتطور، لذلك فإن الخيل تعتبر أحد أدوات بناء الحضارة.
وأكد أن الخيول احتلت مكانةً هامة جدًا في الثقافة التركية، مبينًا أنها وردت في أسطورة “دده قورقوت”، التي تعتبر من أشهر أساطير الأتراك الأوغوز.
وأوضح أن الخيل ورد في 180 تعبير من كتاب “ديوان لغات الترك” الذي ألفه الشيخ “محمود الكاشغري”، عام 1072 ميلادي في بغداد”.
ولعبت الخيل دورًا محوريًا في حياة الأتراك، خاصة في مجال الفروسية والحرب، فقد اعتمد الأتراك على الخيول بشكل كبير في فتوحاتهم وتوسيع إمبراطوريتهم، حيث كانت الخيول ضرورية للتنقل السريع والحرب الفعالة، واشتهرت سلالات الخيول التركية، مثل “الأخال تيكي” بقوتها وسرعتها، وهو ما جعلها خيارًا مثاليًا للفرسان في المعارك.
ويربي الأتراك العديد من سلالات الخيول المميزة، فقد اشتهروا بتربية سلالات قوية من الخيول، مثل الخيل الأناضولي والأخال تيكي، المعروفة بقدرتها على التحمل وقوتها، وأسسوا العديد من المزارع المتخصصة لتربية سلالات الخيول الأصيلة، واهتموا بتطوير مهارات الخيول من خلال التدريب على مختلف فنون الفروسية.
وتقع أهم مزارع تربية الخيول في تركيا في قضاء المحمودية التابع لولاية إسكي شهير الواقعة شمال غربي تركيا، وفي ولاية ملاطية وسط تركيا، وفي سهل سوروج بولاية شانلي أورفة جنوبي تركيا، بالإضافة إلى مزرعة خيول كاراجا بيه في مدينة بورصة.
وتُولي الحكومة التركية اهتمامًا كبيرًا بتربية الخيول، وتُقدم الدعم لمربي الخيول وتُنظم العديد من البرامج لتعزيز تربية الخيول الأصيلة، حيث تقام العديد من سباقات الخيل والفعاليات المتعلقة بالفروسية.
وتحتل الخيل مكانة مميزة في الثقافة التركية، وتُعد الفروسية من أهم التقاليد التركية ومن الرياضات الشعبية، وتُستخدم في العديد من المناسبات الاحتفالية، مثل حفلات الزفاف والمهرجانات، والألعاب الشعبية والرقصات التقليدية.
خاتمة
تُعدّ الخيول رمزًا مشتركًا للثقافة العربية والتركية، وقد لعبت دورًا هامًا في تاريخهما وحضارتهما، فقد ارتبطت بصفات الكرم والشجاعة والفروسية لدى الجانبين، وتركت بصمات واضحة على مختلف جوانب حياتهم، من الحياة اليومية إلى الحروب، والتجارة، والأدب، والفن.
وهذا التراث المشترك بين العرب والأتراك يمكن أن يمثل حلقة وصل وجسرًا للتقارب بينهما، بعد عقود من الجفاء والقطيعة.
المصدر: ترك برس