جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة فاقت كل التصورات، فقد تجاوز عدد الشهداء 40 ألفًا جلهم من الأطفال والنساء، وهناك أكثر من 100 ألف جريح ومصاب، ودمار شامل للقطاع، فهل قادة الكيان الصهيوني وحدهم هم المسؤولون عن تلك الجرائم؟ أم أن هناك شركاء كُثر يتحملون جزءًا من المسؤولية عنها؟!
المسؤولية عن الجرائم في غزة
لا شك أن الكيان الصهيوني الغاصب يتحمل المسؤولية الكاملة عن جرائم الإبادة الجماعية المرتكبة في غزة وفي فلسطين عمومًا.
والصراع في غزة هو صراع بين كيان استيطاني إحلالي صنعه الغرب على عينه، وبين أصحاب الحق وأصحاب الأرض الأصليين وهم الفلسطينيين، وقد أوجد قادة الاحتلال لأنفسهم مبررات ومسوغات لقتل وإبادة الفلسطينيين، بوصفهم حيوانات بشرية وذلك فقًا لتصريحات يوآف غالانت وزير الدفاع الإسرائيلي.
والإبادة الجماعية في غزة تذكرنا بحروب الإبادة الجماعية للهنود الحمر، وجرائم الإبادة التي ترتكب بحق الأقليات المسلمة في أماكن كثيرة من العالم.
والمسؤولية عن الجرائم المرتكبة في غزة يتحملها أيضًا داعمو الكيان الصهيوني من الغربيين ومن الصهاينة العرب على حد سواء، فلولا الدعم المادي والمعنوي غير المحدود للكيان الصهيوني الغاصب لما استمر جيش الاحتلال في ارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين في غزة وفي الضفة حتى الآن.
مسؤوليتنا تجاه غزة
العرب والمسلمون يتحملون جزءًا كبيرًا من المسؤولية عن جرائم الإبادة في غزة، لأنهم تخاذلوا وتقاعسوا عن أداء واجبهم تجاه إخوانهم في غزة، والواجب الذي تمليه وتفرضه عليهم الأخوة في العروبة وفي الإسلام هو واجب النصرة والدعم.
ومن العجيب أن نسمع من خطباء الجمعة ومن الشيوخ من يقول إن واجبنا تجاه إخواننا غزة هو الدعاء فقط وكذبوا، فنحن مأمورون بالجهاد في سبيل الله بأموالنا وأنفسنا، يقول الله عز وجل:{انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} سورة التوبة: 41.
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”مَن لم يغزُ أو يجَهِّزْ غازيًا أو يَخلُفْ غازيًا في أَهْلِهِ بخيرٍ، أصابَهُ اللَّهُ بقارعةٍ قبلَ يومِ القيامةِ”. أخرجه أبو داود (2503)، وابن ماجه (2762).
ويعجبني في الرد على هؤلاء قول الشيخ حازم أبو إسماعيل فك الله أسره:”لا تدعو لأهل غزة”، مستشهدًا بحديث:”لتأمرُنَّ بالمعروفِ ولتنهونَّ عن المنكرِ، أو ليُسلِّطَنَّ اللهُ عليكم شِرارَكم، فيدعو خيارُكم فلا يُستجابُ لهم”. أخرجه البخاري: (581)، ومسلم (826).
ولأن الدعاء يعده الكثيرون بديلًا عن الواجب الشرعي المطالبين به وهو الجهاد في سبيل الله بالمال والنفس، ولأن الدعاء يشعر عامة المسلمين بالرضا المزيف حول أداء الواجب تجاه إخوانهم في غزة.
وواجب الأمة على المستوى الفردي والجماعي ليس الدعاء، وإنما إعداد العدة لإرهاب العدو، ومقاومته ودفعه، وصيانة الحرمات والأعراض، وحفظ الأموال والثروات، يقول الله عز وجل:{وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} سورة الأنفال: 60.
والمطلوب منا كمسلمين هو امتلاك قوة الردع وقد فقدناها منذ زمن طويل، وامتلاك القدرة في الدفاع عن النفس وعن المستضعفين من المسلمين ومن غيرهم، وهو الأمر الذي شرع الجهاد من أجله، والمسلمون مأمورون بنصرة المظلومين والمضطهدين في كل مكان في العالم، يقول الله عز وجل:{وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا}. سورة النساء: 75.
والجهاد في الإسلام شُرع لرفع الظلم عن المستضعفين في الأرض، وشرع من أجل حماية حقوق الإنسان وفي مقدمتها حرية الاعتقاد، وشرع دفاعًا عن النفس والمال والعرض والوطن.
والضعف العام الذي أصاب الأمة جعلها تتخلى عن جهاد الطلب وعن نصرة المستضعفين في العالم، وأصبحت الأمة عاجزة عن جهاد الدفع، الذي يدخل في باب فروض الكفايات التي تأثم الأمة جميعًا بتركه.
وعجز الأمة التي يزيد عدد أفرادها عن ملياري نسمة وصل إلى عدم القدرة على إمداد أهل غزة بالغذاء والدواء، وتركهم يموتون جوعًا وعطشًا ومرضًا، ووجدنا من بني جلدتنا من يدعمون الكيان الصهيوني بالغذاء ويمدونه بالطاقة، وهؤلاء شركاء في قتل إخواننا في فلسطين، ويشاركهم في الجريمة من يحملون المقاومة الفلسطينية المسؤولية عن الأوضاع المأساوية في القطاع.
ولا عذر لأحد في خذلان إخواننا في غزة فوسائل النصرة كثيرة، ومنها الجهاد بالمال، والجهاد بالنفس، والجهاد الإعلامي، والجهاد التربوي، والجهاد العلمي، ومقاطعة الشركات والدول التي تدعم الكيان الصهيوني وتمول آلة القتل الصهيونية.
وقد آن لهذه الأمة أن تفيق من سباتها العميق، وأن تثبت للعالم كله أنها لا تزال حية، من خلال الأفعال المؤثرة التي تردع الكيان الصهيوني وداعميه، وتزلزل عروش الخونة والظالمين.