في الثامن من ديسمبر الماضي، نجحت الثورة السورية – التي انطلقت سلمية في مارس من عام 2011م – في إسقاط نظام الأسد الذي أجرم بحق السوريين على مدى أكثر من 50 عامًا.
زوال النظام المجرم
أعلنت القيادة السورية الجديدة الثامن من ديسمبر يومًا وطنيًا لسوريا، وحق للسوريين وللأحرار في العالم أن يفرحوا ويحتفلوا بذلك اليوم، فهو يوم من أيام الله عز وجل نصر فيه الشعب السوري الشقيق على نظام الأسد الطائفي المجرم، الذي أوغل في دماء السوريين وقتل منهم مئات الآلاف وشرد الملايين، واعتقل وعذب عشرات الآلاف من السوريين، فقد وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل أكثر من 230 ألف مدني بينهم 15272 قتلوا تحت التعذيب، بالإضافة إلى اختفاء واعتقال أكثر من 150 ألف شخص منذ بدء الثورة السورية، ويشهد على ذلك المقابر الجماعية التي تكتشف تباعًا، وسجن صيدنايا (المسلخ البشري) وغيره من سجون نظام الأسد الإجرامي.
وبشار الأسد كان لديه فرصة لتصحيح الأوضاع في سوريا عقب وصوله للحكم، ولكنه سار على نهج أبيه في ارتكاب الجرائم بحق السوريين، ومنها مذبحة حماة التي حدثت في شهر فبراير/شباط 1982م، واستمرت 27 يومًا، ونفذتها عدة فرق وألوية من الجيش السوري، وعلى رأسها قوات سرايا الدفاع، من أجل القضاء على المعارضة في المدينة، وأدت وفقًا لعدة روايات إلى مقتل نحو 40 ألف شخص وأكثر من 17 ألف مفقود.
وبشار الأسد بلغ الغاية في الإجرام والانحطاط الإنساني والأخلاقي، ولم يتورع عن سفك دماء الأبرياء من السوريين، واستعان على قتلهم بـ “الشبيحة” (مليشيات موالية للنظام)، وبالبراميل المتفجرة التي تحشى بمواد معدنية ومواد متفجرة ترمى من المروحيات، وتعمد تجويع السوريين فحاصرهم وقطع عنهم الإمدادات الغذائية، وقصف بالمدفعية والرشاشات الثقيلة والطيران المدن المحاصرة مستهدفًا المباني السكنية وجميع مظاهر الحياة في المناطق التي فر إليها السوريون هربًا من جحيم النظام ومليشياته الطائفية.
واستخدم النظام المجرم الأسلحة الكيماوية باختلاف أنواعها، ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تنفيذ النظام السوري 222 هجومًا كيميائيًا في مختلف أنحاء سوريا، وتسببت هذه الهجمات في مقتل 1510 أشخاص وإصابة ما يزيد على 11 ألفًا آخرين.
ومجزرة الغوطة تعد أشهر المجازر الكيماوية التي نفذها النظام، والتي حدثت يوم الأربعاء 21 أغسطس/آب 2013 واستهدفت مناطق من الغوطة في ريف دمشق.
واستعان ذلك النظام المجرم بأعداء الأمة من الروس ومن المليشيات الشيعية التابعة لإيران، ومليشيات أخرى من خارج سوريا لقتل السوريين، وتحدثت التقارير عن وجود أكثر من 35 ألف مقاتل ينتمي أغلبهم إلى العراق ولبنان وإيران وأفغانستان كانوا يقاتلون إلى جانب النظام السوري.
وجرائم نظام الأسد أدت إلى تشريد قرابة 14 مليون سوري، فر بعضهم إلى دول الجوار، ولجأ بعضهم إلى دول عربية وغربية، وغرق المئات منهم في البحر.
وجرائم نظام الأسد لم تسلم منها دور العبادة والمستشفيات والمدارس، فقد وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان 874 حالة اعتداء على منشآت طبية، و1416 اعتداء على أماكن العبادة، وأكثر من 16 ألف اعتداء على المدارس، بالإضافة إلى استباحة المنشآت الحيوية وتحويلها لمراكز اعتقال ونقاط عسكرية، وتدمير مناطق كبيرة من سوريا في محافظات متعددة.
الدروس المستفادة من الثورة السورية
على الرغم من دموية الثورة السورية والثمن الباهظ الذي دفعه السوريون من دمائهم وأموالهم على مدى أكثر من عشر سنوات، لكنها نجحت أخيرًا في الإطاحة بالنظام المجرم الذي جثم على صدور السوريين لمدة تزيد عن خمسة عقود، وفتحت الباب أمام تغيير حقيقي وجذري للأوضاع في سوريا، ويكفي أنها أعادت سوريا للسوريين.
وفي الثورة السورية دروس وعبر، وأول هذه الدروس درس للطغاة والمستبدين العرب، بألا يستقووا على شعوبهم أو يستعينوا بالقوى والأطراف الخارجية من أجل البقاء في الحكم، فبشار الأسد سقط نظامه في بضعة أيام بعد أن تخلت عنه تلك القوى التي تحالفت معه ودعمته سابقًا.
والدرس الثاني هو إمكانية حدوث التغيير في الدول العربية سواء بالطرق السلمية أو باستخدام السلاح كما هو الحال مع الثورة السورية التي جمعت بين الوسيلتين.
والدرس الثالث درس للمستقبل، فهذه المرحلة الحساسة والحرجة تتطلب التكاتف بين مختلف الأطراف لإعادة بناء الدولة على أسس سليمة، في ظل ما عانته سوريا في السنوات الأخيرة من تدهور للأوضاع الاقتصادية والسياسية، وانقسامات داخلية، وتضارب في المصالح الخارجية.