قصيدة بردى
الشاعر الإسلامي محمد عزت الخالدي
في سفوحٍ نبعُ نهرٍ أصله قطر الندى
غاص جرداً سالكاً صخراً عميقاً أصلدا
ثم فار النبع ثراً راح شرقاً مُصعـدا
ماؤه عذبٌ نمير فعله نفي الصــدا
رنحت أزهارَ دوحٍ موجُ نهري بردى
زبداني الهوى نبع تألق مبهــرا
يبعث الأفراح بشرى منه تلقى الأزهرا
عاشق يرمي شباكاً سوف يجني الأبهرا
في شرايين العشيق الحبُّ فيها قد برى
جار نبع فاض رفداً ذاك نهري سردى
يا ربى تخضرُّ ماء جارياً مجرى السنن
أثْرتِ الأنحاء ثدياً يرتوي منه الزمن
ترقب الأزهار تزهو في حنيات الفنن
رفت الأوراق خضراءً تحدى كل فن
تسكن الأطيار فيها ثم تغدو نُهَّدا
ضفة صفصافها يسمو على باقي الشجر
ضفةٌ أخرى قدود الحَور تزهو كالقمر
أشيب الأغصان في بردٍ كما لون الزهر
أخضر الأفنان صيفاً يخطف الحسنُ البصر
سامرون استعلنوا حباً قديماً أرغدا
هل أرى يوماً تُراني فيجة الجرد الجليل
ماؤها قد فار من صخرات وادينا الظليل
ثم عين أخضرت في مائها تشفي العليل
ثم يروي ماؤها بستان دراقٍ جميل
قد أراهم يوم أن يأتي السنونو أصيدا
هامة الوادي بهاءُ الجبهِ خلابٌ نضِر
أهلها نوع فريد من علاء وبهَــر
حيث يجري فيهمُ حسُّ المروءةِ مُبْتَدر
ليس منهم غير شهم أو غَيورٍ أو نَمِـر
يا لها من بلدة كانت ولا زالت فِدا
بردى يسقي بهم زيتونَ جردٍ قد وَرِف
والسواقي كالشرايين التي تروي الهدف
والجذور الراسيات استقبلت ماء الترف
ثم يمضي النهر جارٍ نحو أبناء الشرف
تاركاً في جوهم صوت الهدير والصدى
عِدْلها جمرايَ حسن الأهل فيها ظاهر
في جباهٍ نورها لمعات زيت باهر
كل من صافحت فيها فيه صدقٌ نادر
أينما وجهت عيناً صد غرس ناضر
يا لها من قرية فيها التراقي يُقتدى
دمَّرٌ قد قسمت نهر السقاء الأمرع
روَّت الأقسام أرضاً من جفاف أوقع
أفرعٌ ما همهـا إلا نمـاء المربـع
تلهم الأفهام شعراً كالرسوم الأبدع
يهدر النهر انبلاجاً عند جسرِ المنتدى
بحرة في باحة البيت الدمشقي العريق
تلفظ الماء الذي في نهره لحن النقيق
حولها ألعاب فتيانٍ تشاقَوْا كالفريق
ثم يسقي الماء أعناباً تدلت كالعقيق
يا إلهي شكرنا هل بعد هذا مجتدى
غازلت ليمونة ورداً فأغضي محرَجا
أحمر الخدين في خلطٍ تبدّى أغنجا
رشه الماء الذي نافورةً قد أُخرجا
فارعوى كي لا يبادي القوم صبحاً مزعجا
ثم راح الورد موعوداً بلقيا أوردا
غوطةٌ تستقبلُ الأمواهَ صبحاً والمساء
في قراها فـتية يسقون أرضاً بالولاء
أعرسَتْ دهراً بلا أرقام عدٍّ أو وِكاء
قد رعت في كل غرس زهرَه والكبرياء
لن ترى في أهلها إلا بهاءً أمجدا
نهرنا نهر التشهي في بحيرٍ قد أوى
حيث بط البر عند الزهر صبحاً قد هوى
جاء صيادٌ فرشَّ البط ناراً واشتوى
فعله ترويعُ طير في العتيبة قد ثوى
هكذا الدنيا حلول وارتحال سرمدا
نهرنا يأوي إلى أرض الصفاء والحنين
جامعاً في دربِهِ حلوَ البنات والبنين
عرس قوم واصلوا في دهرهم حب السنين
ماؤهم خير العطايا من إله العالمين
ربنا أسعد به قوماً يعانون الصدى
( محمد عزت الخالدي ) كتبتها في 4/7/2012