هذي بلاد .. لم تعد كبلادي
للشاعر :فاروق جويدة
إلى شهداء مصر من الشباب الذين ابتلعتهم الأمواج على شواطيء إيطاليا وتركيا واليونان : |
قد عشت أسأل أين وجه بلادي؟؟ |
أين النخيل ؟ وأين دفء الوادي؟ |
لاشيء يبدو في السماء أمامنا |
غير الظلام وصورة الجلاد |
هو لا يغيب عن العيون كأنه |
قدر كيوم البعث والميلاد |
قد عشت أصرخ بينكم وأنادي |
أبني قصورا من تلال رمادي |
أهفو لأرض لا تساوم فرحتي |
لا تستبيح كرامتي وعنادي |
أشتاق أطفال كحبات الندى |
يتراقصون مع الصباح النادي |
أهفو لأيام توارى سحرها |
صخب الجياد وفرحة الأعياد |
أشتقت يوما أن تعود بلادي |
غابت وغبنا و انتهت ببعاد |
في كل نجم ضل .. حلم ضائع |
وسحابة لبست ثياب حداد |
وعلى المدى أسراب طير راحل |
نسي الغناء ….فصار سرب جراد |
هذه بلاد تاجرت في أرضها |
وتفرقت شيعا بكل مزاد |
لم يبقى من صخب الجياد سوى…. الأسى |
تاريخ هذه الأرض بعض جياد |
في كل ركن من ربوع بلادي |
تبدو أمامي صورة الجلاد |
لمحوه من زمن يضاجع أرضها |
حملت سفاحا فاستباح الوادي |
لم يبق غير صراخ أمس راحل |
ومقابر سأمت من الأجداد |
وعصابة سرقت نزيف عيوننا |
بالقهر… والتدليس… والأحقاد |
ماعاد فيها ضوء نجم شارد |
ماعاد فيها صوت طير شادي |
تمضي بنا الأحزان ساخرة بنا |
وتزورنا دوما بلا ميعاد |
شيء تكسر في عيوني بعدما |
ضاق الزمان بثورتي و عنادي |
أحببتها ……حتى الثمالة بينما |
باعت صباها الغض ….. للأوغاد |
لم يبق فيها غير …… صبح كاذب |
و صراخ أرض في لظى استعباد |
لا تسألوني عن …. دموع بلادي |
عن حزنها في لحظة استشهاد |
في كل شبر من ثراها ….. صرخة |
كانت تهرول خلفنا و تنادي |
الأفق يصغر …. والسماء كئيبة |
خلف الغيوم …. أرى جبال سواد |
تتلاطم الأمواج فوق رؤوسنا |
والريح تلقي للصخور عتاد |
نامت على الأفق البعيد ملامح |
وتجمدت بين الصقيع أيادي |
ورفعت كفي قد يراني عابر |
فرأيت أمي…….. في ثياب حداد |
أجسادنا كانت تعانق بعضها |
كوداع أحباب بلا ميعاد |
البحر لم يرحم براءة عمرنا |
تتزاحم الأجساد في الأجساد |
حتى الشهادة راوغتني لحظة |
وأستيقظت فجراً أضاء فؤادي |
هذا قميصي فيه …. وجه بنيتي |
ودعاء أمي …. كيس ملح زادي |
ردوا إلى أمي القميص…. فقد رات مالا أرى |
من غربتي … ومرادي |
وطن بخيل …. باعني في غفلة |
حين اشترته عصابة الإفساد |
شاهدت من خلف الحدود …. مواكبا |
للجوع تصرخ في حمى الأسياد |
كانت حشود الموت تمرح حولنا |
والعمر يبكي ….. والحنين ينادي |
ما بين عمرٍ …… فر مني هاربا |
وحكاية يزهو بها أولادي |
عن عاشق هجر البلاد وأهلها |
ومضى وراء المال والأمجاد |
كل الحكاية …… أنها ضاقت بنا |
وأستسلمت للص والقواد |
في لحظة…… سكن الوجود |
تناثرت حولي مرايا الموت والميلاد |
قد كان آخر ما لمحت على المدى |
و النبض يخبو صورة الجلاد |
قد كان يضحك والعصابة حوله |
وعلى امتداد النهر يبكي الوادي |
وصرخت….. والكلمات تهرب من فمي |
هذي بلادُ………… لم تعد كبلادي !!! |
* المصدر: http://www.adab.com/modules.php?name=Sh3er&doWhat=shqas&qid=81712