عرض كتاب الأسرة المسلمة
تتعرض الأسرة في عالمنا المعاصر لحرب ضروس ولمحاولات عديدة هدفها تحريف وتشويه مفهومها واستبدالها بنماذج شائهة، وهو ما يتطلب وقفة جادة وحازمة تعيد مفهوم الأسرة إلى التصور الذي وضعه الإسلام، وهو التصور الذي يلائم الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ويضمن لكل فرد من أفراد الأسرة حقوقه، ويحافظ على كيان الأسرة ويصونها، ويحافظ على طهارة المجتمعات واستقرارها.
والأسرة هي نواة المجتمع، والأسرة الصالحة هي أساس صلاح المجتمعات والكيانات البشرية، وبصلاحها يصلح العالم بأسره وتستقيم حياة البشر، ولذلك أولى الإسلام الأسرة اهتمامًا كبيرًا حتى قبل أن تنشأ، وحرص على كل ما يدعم استقرارها، وأحاطها بسياج من القدسية يحميها من الهزات والزلات.
والأسرة هي الركيزة الأساسية في النهوض بالمجتمعات، ولذلك نجد أن هناك حرصًا واهتمامًا عالميًّا بكل ما يدعم تماسك الأسرة واستقرارها ويُفَعِّل من دورها في تنمية المجتمعات وتقدمها.
والغربيون لم يهتموا بالأسرة إلا مؤخرًا، وذلك بعد أن اكتووا بنيران التفكك الذي أصابها، والخراب والدمار الذي لحق بمؤسستها، وبعد أن تفاقمت مشكلاتها وازدادت نسبة الجرائم الاجتماعية التي تعصف بأمن واستقرار المجتمعات، وتهدد الدول المتحضرة والمتخلفة على حد سواء.
والأسرة في الألفية الثالثة تواجه تحديات كثيرة اجتماعية وسياسية واقتصادية، ومفهوم الأسرة نفسه تعرض للتشويه والتحريف، والأسرة النووية بمفهومها التقليدي والتي تتكون من (زوج وزوجة وأولاد) في طريقها للاندثار في المجتمعات المتحللة التي شاعت فيها الإباحية، والبديل هو أنواع من الشراكات التي تقوم على العلاقات غير الشرعية وعلى الشذوذ.
وما تعانيه الأسر اليوم من جحود ونكران ومن تفكك وضياع ومن إهمال وتسيب، يحدث بسبب البعد عن منهج الله عز وجل وعن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم في التربية وفي طريقة التعامل مع الآخرين.
ومن المشكلات التي تواجهها الأسرة اليوم انشغال كل فرد بنفسه وتقديم رغباته ونزواته ومصالحه الشخصية على حقوق باقي أفراد الأسرة، وافتقاد الأبناء للقدوة الحسنة والمثل الصالح داخل الأسرة وداخل المجتمع، والظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها الكثير من الأسر والمتمثلة في البطالة وتدني الأجور والارتفاع الجنوني لأسعار السلع الأساسية.
وأخطر ما تواجهه الأسرة في العالم اليوم محاولات تمييع مفهوم الأسرة وتفتيت كيانها والترويج للعلاقات الشاذة، ومن هذا المنطلق تأتي أهمية الحفاظ على كيان الأسرة من التشتت والضياع، وضرورة دعم كل التوجهات التي تحافظ على هذا الكيان الحيوي والهام في المجتمع. ونسأل الله عز وجل الهداية والتوفيق ونسأله السعادة في الدنيا والآخرة.