رمضان والتغيير
شهد شهر رمضان المبارك أحداثًا إسلامية عظيمة غيرت مجرى التاريخ، ففيه انتصر المسلمون في عزوة بدر الكبرى في العام الثاني الهجري، وفيه فتح مكة في العام الثامن الهجري، وفيه فتحت الأندلس، وفيه فتحت عمورية، وفيه وقعت معركة عين جالوت، وفيه انتصر العرب على الكيان الصهيوني الغاصب.
ورمضان شهر كريم وله منزلته عند الله عز وجل يقول تعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. سورة البقرة: 185.
ولكن أحوال المسلمين تغيرت كثيرًا فتراهم وهم يتبادلون التهاني بقدوم الشهر الكريم ويتبادلون التعازي على كل المعاني الفاضلة التي افتقدها المسلمون في رمضان وفي غيره من الشهور فلم يبق من معاني رمضان سوى هذه الكلمات الجوفاء التي نرددها عند قدوم رمضان دون الوقوف عند معانيها أو استجلاء حقيقتها، فرمضان شهر البر والتقوى والإحسان وشهر الصفح والمغفرة والرضوان وشهر التوبة والرجوع إلى الله عز وجل والندم على ما كان من التقصير، لكن شهر رمضان بات يحمل الكثير من المعاني والمتغيرات وإن شئت فقل المتناقضات التي لم يعرفها المسلمون الأوائل في طريقة استقبال هذا الشهر وفي فن الإحتفاء به.
ورمضان كريم تعني عند البعض الموائد الخضراء العامرة بأطايب الطعام والشراب بينما هناك أناس في البلاد العربية والإسلامية في صيام قهري لا يجدون شربة ماء أو كسرة تحفظ عليهم حياتهم!
ورمضان كريم تعني ترك الاقتصاد في جميع الأمور والأكل والشرب حتى التخمة والتكاسل عن ذكر الله وعن الصلاة التي يتضاعف أجرها في رمضان!
ورمضان كريم تعني إنفاق أضعاف أضعاف ما ننفقه في غير رمضان على المأكل والمشرب وتعني الصيام عن الحلال في النهار والإفطار على الحرام في ليالي رمضان!
ورمضان كريم تعني عند البعض ترك قراءة القرآن الذي أنزل في شهر رمضان والانشغال بالفوازير الرمضانية والكاميرا الخفية والشقية ومسابقات المذيعات الحسان والغفلة عن باب يدخل منه الصائمون الجنة يقال له الريان!
ورمضان كريم تعني إهمال تهذيب النفوس والسمو بها وتعلم الحلم والأناة والرفق واللين في التعامل مع الآخرين، والثورة لأتفه الأسباب وتبادل الشتائم والسباب بحجة الصيام!
ورمضان كريم تعني عند البعض الانشغال بالحديث عن الآخرين والخوض في أعراضهم والانشغال عن ذكر الله عز وجل وقراءة القرآن.
ورمضان كريم تعني ترك الجد والاجتهاد في العبادة وفي العمل والتكاسل عن العبادة وإهمال العمل وقضاء النهار في النوم وقضاء الليل في السهرات الممتدة حتى الفجر!
ورمضان كريم تعني عند البعض الانشغال بالملذات ونسيان المستضعفين من المسلمين الذين يفطرون على وقع القنابل والصواريخ والبراميل المتفجرة والأسلحة المحرمة دوليًا والتي تخلط وجبات الإفطار – إن وجدت – بجثث وأشلاء الشهداء الأبرار الصائمين في رمضان!
ورمضان كريم تعني عند البعض ترك غض البصر كما أمرنا الله عز وجل في رمضان وفي غيره وتقليب النظر في مشاهدة الحرام ومشاهدة العري والفجور على شاشات الفضائيات من باب تسلية الصيام كما يقولون!
وقطاعات الانتاج في الدول العربية والإسلامية التي يعيش الكثيرون من أبنائها تحت خط الفقر ولا يجدون ما يسدون به جوعتهم أو يسترون به عوراتهم تنفق الملايين من أقوات الشعوب ومقدراتها على إنتاج البرامج التافهة والمسلسلات الساقطة لتعرض (حصريًا) في رمضان لكي تلهي الكثير من الناس عن التفرغ للعبادة والدعاء والإستغفار في أيام لها فضل ومنزلة كبيرة عند الله عز وجل وكانت النتيجة أن تغير حال المسلمين في شهر رمضان فبعد أن كان شهر رمضان عند الرسول صلى الله عليه وسلم وعند الصحابة والتابعين والصالحين شهر الصبر وشهر النصر والفتوحات العظيمة أصبح هذا الشهر شهرًا للمتع والملذات الرخيصة ومرتعًا لارتكاب المحرمات وكل ما يغضب الله عز وجل، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض حديثه:” خاب وخسر ثلاثًا قالوا من يا رسول الله؟ قال: من أدرك رمضان ولم يغفر له”، فكما أن الحسنات تتضاعف في رمضان فكذلك السيئات تضاعف في هذا الشهر لأن فيها انتهاكًا لحرمة الأوقات الفاضلة التي خصها الله عز وجل بمضاعفة الحسنات.
وبعد فهذه دعوة لكي نتقي الله عز وجل في هذا الشهر الفضيل ولكي نحس بمعاناة إخواننا وأخواتنا في سوريا وفي فلسطين وفي العراق وفي غيرها، وأن ندعو الله عز وجل أن يفرج كرباتهم وأن يحرر أسراهم وأن يحرر أرضهم من دنس الإحتلال ورجس المحتلين.
ودعوة لكي نمد يد العون والمساعدة – كل على حسب طاقته – لإخواننا المحتاجين في كل مكان في عالمنا الإسلامي فالقليل إلى القليل كثير وسبق درهم ألف درهم.
ودعوة لكي نبتعد عن اللهو واللغو والكذب والرياء ونحفظ أسماعنا عن سماع الحرام وأعيينا عن مشاهدة الحرام، ونشغل ألسنتنا وقلوبنا بذكر الله عز وجل والدعاء والإستغفار لعلنا نخرج من رمضان وقد غفر الله عز وجل لنا.
يقول الله عز وجل:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} سورة البقرة: 186.