كيف نحمي الشباب من الإثارة؟
أسلوب المنع والحظر ليس حلاً ولم يعد ممكناً نظراً لكثرة المثيرات الجنسية من حولنا وتعدد مصادرها، والشباب في هذه المرحلة بحاجة إلى الحوار وإلى من يستمع إليهم ويتفهم رغباتهم وميولهم ويقدم لهم العون والنصيحة ونحن بحاجة إلى تبصير الشباب والفتيات بعواقب ارتكاب المحرمات.
والرسول صلى الله عليه وسلم علمنا درساً في فن التعليم والتوجيه من خلال الحوار، وذلك من خلال حواره مع ذلك الشاب الذي جاء يطلب منه ان يأذن له بالزنى والرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا هذا من خلال الحوار الذي دار مع ذلك الشاب الذي جاء يطلب الإذن بالزنا، فقد ورد في الحديث عن أبي أمامة رضي الله عنه قال:” إن فتى شاباً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه، فقال: ادنه فدنا منه قريباً، قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا، والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا، والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا، والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا، والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: ولا، والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهِّر قلبه، وحصِّن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء».) مسند الإمام أحمد: 21836 .
فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يعنف ذلك الشاب ولم يضربه ولم يقل له اذهب فان الزنا محرم وينهي الأمر، وانما حاور ذلك الشاب واقنعه بالحجة والمنطق السليم وجعل يسأل والشاب هو الذي يجيب ثم دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم وبذلك حمى ذلك الشاب من الوقوع في تلك الفاحشة وحمى المجتمع كذلك من أثارها السيئة .
وحماية الشباب والفتيات من تصريف الشهوة في الحرام يتطلب التنشئة السليمة منذ الصغر على الاستقامة والتقوى والعفاف والبعد عن المحرمات والبعد عن مواطن الشبهات وتنمية الرقابة الذاتية بداخلهم لمواجهة المغريات والمثيرات الجنسية وتجاوز تأثيراتها السلبية.
ولكي نضمن عدم وقوع الشباب والفتيات أسرى للمشاهد الجنسية وارتكاب المحرمات يجب أن تكون علاقتهم بالله عز وجل قوية، وأن نزرع في نفوسهم تقوى الله عز وجل ومراقبته في السر والعلن والوصول إلى درجة الإحسان كما عرفه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو:« أنْ تَعْبُدَ اللَّهِ كأَنَّكَ تَراهُ، فإنْ لم تَكُنْ تَراهُ فإِنَّهُ يراك». صحيح مسلم: 1/37.
والإسلام وضع الضوابط التي تحافظ على تماسك الأسرة وطهارة المجتمعات، فأمر المؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار وحفظ الفروج ووضع الإطار الصحيح للعلاقة بين الشاب والفتاة وهي الزواج. ويقول الله عز وجل:{ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} سورة النور: 30.
والإسلام دعا المرأة الى الحشمة وعدم إغراء الرجال بالملابس الفاتنة والحركات الخليعة، يقول الله عز وجل:{ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} سورة النور: 31.
ومن أهم الوسائل لتحصين الشباب وحمايتهم من الوقوع في الفاحشة ربط الشباب بالله عز وجل والحرص على أداء العبادات وفي مقدمتها الصلاة وربطهم بالمساجد وبحلقات العلم.
والصوم له أهمية خاصة في التخفيف من وطأة الشهوة وتملك الغريزة واستحواذها على تفكير الشباب. فعَنْ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ، قَالَ لَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:« يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِيعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وَجَاءٌ». صحيح البخاري: 4946.
ولأن علاج الشهوة لا يتم إلا بتصريفها، فقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم الشباب على الزواج كما ورد في الحديث السابق.
والزواج المبكر يحمي الشباب من الوقوع في الفاحشة ويحمي المجتمع من الآثار السلبية والضارة التي تحدث نتيجة تأخر سن الزواج وانتشار العنوسة.
والزواج سنة من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد ورد في الحديث:« أما واللهِ إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصومُ وأُفطر، وأصلِّي وأرقُد، وأتزوجُ النساء، فمن رغِبَ عن سُنَّتي فليسَ مني». صحيح البخاري: 4943
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« لَمْ نَرَ لِلْمُتَحَابَّيْنِ مِثْلُ النِّكاحِ». سنن ابن ماجه: 1901.
والرسولُ الله صلى الله عليه وسلم حث القادرين على الزواج وغير القادرين على الصيام وحث ولي أمر الفتاة على تزويجها من صاحب الخلق والدين، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ. إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ». سنن ابن ماجه: 2024.
وأمر بعدم المغالاة في مهور النساء، فقال صلى الله عليه وسلم:« خَيْرُهُنَّ أَيْسَرُهُنَّ صَدَاقاً». صحيح ابن حبان: 3968.
وحماية الشباب من الوقوع في الفاحشة تتطلب رقابة أمينة وواعية من قبل الأهل ومن قبل المؤسسات التربوية والتعليمية.
ويجب أن نبعدهم عن المثيرات الجنسية يقول تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}. سورة النور: 21.
ومن الوسائل المهمة التي تبعد الشاب أو الفتاة عن التفكير في الأمور المتعلقة بالجنس اختيار الرفقة الصالحة، فكم من شباب غرر بهم أصدقاء السوء وسهلوا لهم ارتكاب الفاحشة، وكم من فتيات وقعن ضحايا وفريسة سهلة للذئاب البشرية عن طريق الصديقات المنحلات، ولذلك ينبغي الحذر من أصدقاء السوء. فعن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:« الرجُلُ عَلَى دِينِ خَليلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ». سنن الترمذي: 2418.
ومن الوسائل التي تبعد الشباب عن التفكير في الجنس وجود قضية وهدف في حياة الشاب وحث الشباب على المشاركة في الأعمال التطوعية والخيرية.
ومنها أيضاً تنويع اهتمامات الشباب وممارسة الهوايات النافعة وشغل أوقات الشباب بالأعمال النافعة والمفيدة والتركيز على الهوايات التي تتطلب جهداً ذهنياً وبدنياً وتستغرق وقتاً أطول كإجراء بحث أو ممارسة الرياضة.
وممارسة الرياضة من أهم الوسائل لتخفيف الرغبة الجنسية الجامحة والحادة عند الشباب والفتيات وهي الحل لعلاج العادة السرية لسببين وهما:
أولاً: لأنها تشغل وقت الشاب والفتاة فلا يكون هناك مجال للتفكير في الأمور المتعلقة بالجنس ومن المعلوم أن الدورة الجنسية تبدأ بالتخيل والتفكير في الأشياء التي تحدث الإثارة الجنسية.
ثانياً: تفرغ الطاقات والشحنات الزائدة بالجسم وبالتالي تقلل الرغبة في الجنس وهذه الرغبة تختلف عن القدرة الجنسية التي تزيد بممارسة الرياضة.
والفراغ هو أخطر مشكلة في حياة الشباب وهو من النعم التي لا تستغل وتؤدي إلى الكثير من المفاسد، فعن ابن عباسٍ رضيَ اللّه عنهما، قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:« نِعمتانِ مَغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصِّحة، والفراغ». صحيح البخاري: 6265.
ويقول الشاعر الحكيم:
إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة
محمد خاطر
mimkhater@hotmail.com