العشوائيات وانتهاك حقوق الإنسان
العشوائيات مشكلة خطيرة تعاني منها الكثير من الدول العربية وتعكس عدم المساواة والتفريق بين المواطنين وتعكس غياب التخطيط بالكلية فحول كل عاصمة ومدينة من المدن العريقة تتواجد العشوائيات وتتكاثر وكما يوحي إسمها فهي إمتداد عشوائي للمدن الكبيرة وهي مناطق مكتظة بالسكان ومساكنها متلاصقة بدون فواصل والمسكن الواحد تعيش فيه أكثر من عائلة مع ما يجره ذلك الإختلاط من مفاسد أخلاقية.
والعشوائيات مناطق متاخمة للأحياء الراقية ولا يفصلها عنها سوى شارع أو بضعة أمتار وهو منظر يعكس تجاور البؤس والحرمان مع الرفاهية ورغد العيش ويعكس مقدار الظلم الواقع على قاطني هذه العشوائيات وكأنهم مواطنون من الدرجة الثالثة أو الرابعة.
والعشوائيات مناطق محرومة من أبسط الخدمات التي يحتاجها الإنسان كمياه الشرب النقية والكهرباء والصرف الصحي وبالتالي فهي مناطق تعاني من التلوث البيئي الذي يؤدي إلى إنتشار الكثير من الأمراض كالفشل الكلوي والإلتهاب الكبدي وغيرها من الأمراض وبهذه الأوصاف أصبحت العشوائيات البيئة المناسبة للفساد الأخلاقي وانتشار الجرائم الإجتماعية كالسرقة والزنا وقتل الأقارب وأصبحت البيئة المناسبة لتجارة المخدرات وتخريج محترفات للعمل في الدعارة وأصبحت معملاً لتفريخ الإرهابيين وأصبحت الحاضنة للقنابل البشرية الموقوتة التي توشك أن تنفجر احتجاجاً على الوضع المأساوي الذي يعيشه أصحابها. والعشوائيات جريمة إرتكبها المسؤولون بحق الفقراء والبسطاء عندما عجزوا عن إدارة شؤونهم وتقديم الخدمات الضرورية لهم وهؤلاء يجب محاسبتهم على التقصير وخيانة الأمانة التي كلفوا بها.
والعشوائيات ليس لها علاج سوى التخطيط السليم للتجمعات السكانية وتزويدها بالمرافق اللازمة لها والأخذ بعين الإعتبار الزيادة السكانية والعمل على تلبية الإحتياجات المتزايدة للسكان وهنا يكمن الفرق بين العشوائيات وبين المدن الجديدة فالعشوائيات نتاج فكر قاصر ومحدود هدفه إيجاد حلول آنية للمشكلة وقد يكون هناك عذر لأصحاب هذا الفكر لأنهم من الفقراء والمحرومين ولكن ما هو عذر المسؤولين عن التخطيط في البلاد العربية عندما يضعون حلولاً تقليدية لمشكلات لا تجدي معها سوى الحلول المبتكرة وغير التقليدية!
والمشكلة التي نتحدث عنها وعجز الجميع عن إيجاد حلول جذرية لها هي مشكلة ازدحام العواصم والمدن الكبيرة فقد تفتقت أذهان المسؤولين عن أفكار هي بمثابة مسكنات للمشكلة وليس القضاء عليها فلجأوا إلى إنشاء عشرات ومئات الجسور التي يعلو بعضها بعضاً ولجأوا إلى حفر الأنفاق بتكاليف باهظة كانت كافية لإقامة عدد من المدن الجديدة وفي ذلك حل لمشكلة الإزدحام وتخفيف لآثار التلوث البيئي وتوفير لمسكن ملائم وإيجاد لفرص عمل جديدة للشباب.
وتصميم المدن والطرق ومراعاة ما يستجد ليس نتاج الحضارة الحديثة وهو من آثار الحضارة الإسلامية ويشهد بذلك المدن التي أنشأها المسلمون في البلاد التي فتحوها وعنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قالَ: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:« اجْعَلُوا الطَّرِيقِ سَبْعَةَ أذْرُعٍ». سنن الترمذي: 1353.
والمسكن يجب أن تتوفر فيه بعض الشروط لكي يكون صحياً ومنها: التهوية الجيدة وامكانية دخول الشمس وتوفر المياة النقية وشبكة الصرف الصحي وأن يكون بعيداً عن أبراج الضغط العالي وأبراج تقوية الإرسال الخاصة بشبكات الهاتف المحمول وبذلك يستطيع الإنسان أن يحيا بكرامة وفي ظروف إنسانية تمكنه من الإسهام في نهضة المجتمع الذي يعيش فيه.
وفي الوقت الذي يتحدث فيه البعض عن المساكن الذكية وعن المساكن الخضراء صديقة البيئة الموفرة للطاقة والملبية لرغبات المترفين وأصحاب الأموال يقطن الملايين من الفقراء في المساكن السوداء التي تضم المقابر والأكواخ المبنية من الخشب أو من الصفيح والملاحق المحرومة من الهواء والشمس والمخيمات التابعة لمنظمات الإغاثة الإنسانية في ظروف غير إنسانية.
ونوعية المسكن أصبحت من الدلائل القوية على انتشار الظلم الاجتماعي في الكثير من الدول فهناك قلة قليلة تسكن في القصور الفارهة وتمتلك العديد من المساكن الفاخرة بالإضافة إلى أماكن الترفيه في المنتجعات السياحية على شواطئ البحار وهذه القلة تستأثر بالأراضي ذات المواقع الهامة وتحصل على قروض من البنوك لبناء مساكن فاخرة للصفوة كما يقولون بينما ملايين الفقراء يعيشون بلا مأوى وفي ظروف أقل ما يمكن أن توصف به أنها مأساوية.
ومن الظواهر التي أفرزها الفقر واستئثار البعض بثروات البلاد وخيراتها وتخلي الحكومات عن الفقراء والمعدمين ظاهرة “سكان المقابر” فقد فضل الملايين من الفقراء والمعدمين في عدد من الدول العربية والإسلامية مجاورة الأموات على مجاورة الأحياء الذين لم يحسوا بمعاناتهم وعذاباتهم اليومية.
لقد أصبح الحصول على مسكن متواضع من الأحلام بعيدة المنال بالنسبة للكثيرين في العالمين العربي والإسلامي وبخاصة الشباب المقبلين على الزواج وعدم توفر المسكن من أهم أسباب تأخر سن الزواج.
والحصول على المسكن المناسب حق من حقوق الإنسان ينبغي ألا يفرط فيه وأن يسعى بكل السبل من أجل الحصول عليه وأمل البسطاء في مسكن صحي يستحق أن يوضع ضمن أولويات الحكومات لأنه واجب من واجباتها ويستحق كذلك أن يكون ضمن اهتمامات رجال الأعمال وأصحاب الأموال فللمال دور اجتماعي ينبغي أن يقوم به وهو التخفيف من معاناة الفقراء.