المعرفة حق إنساني
العلم والمعرفة من الضرورات للإنسان في هذه الحياة، والله عز وجل وضع للإنسان المنهج الذي يصلح دنياه وآخرته قبل أن يخلقه، ولا سبيل لمعرفة هذا المنهج إلا بالعلم يقول تعالى:{الرحمن * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ* عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}. سورة الرحمن: 1- 4.
والمعرفة كما يقول الدكتور صلاح إسماعيل هي:« حالة عقلية يدرك فيها الإنسان غيره أو ذاته، وهي علاقة أحد جوانبها الذات العارفة، والجانب الآخر موضوع المعرفة الذي تتجه إليه الذات العارفة بصورة مباشرة أو غير مباشرة».
وتسليح الإنسان بالعلم والمعرفة كان أول تهيئة له من أجل القيام بدوره في هذا الكون وهو الاستخلاف في الأرض وعمارة الحياة. يقول الله عز وجل: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} سورة البقرة: 31-33.
والمعرفة حق من حقوق الإنسان، لأن حياة الإنسان في هذا الكون لا تستقيم بدون العلم والمعرفة يقول الله عز وجل:{وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} سورة النحل: 78.
فالله عز وجل زود الإنسان بأدوات العلم والمعرفة وهي السمع والبصر والعقل والمطلوب من الإنسان أن يوظف هذه الأدوات في التعلم واكتساب المعارف والخبرات.
ومسيرة التعلم في حياة الإنسان يجب ألا تنتهي أو تتوقف عند حد معين، فلا بد للإنسان أن يتعلم كل يوم جديدًا، وأن يضيف إلى خبراته ما يمكنه من أن يعيش حياته بطريقة أفضل.
والإسلام بوصفه منهجًا سماويًا، وبوصفه خاتم الأديان، عُني بالعلم الذي لا تصلح حياة الناس بدونه، ولا غَرْوَ أن تكون أول آية نزلت في القرآن الكريم هي: {اقرأ}، وفي ذلك دليل على أهمية العلم في حياة الإنسان بصفة عامة، والإنسان المسلم بصفة خاصة.
والعلم هبة ومنحة ربانية تفضل الله عز وجل بها على عباده ولذلك أمر بإشاعته ونهى عن كتمانه، وما وصل إليه العلماء في العصر الحالي من اكتشافات وفتوحات علمية هو نتاج خبرات متراكمة وإسهامات للعلماء على مدى قرون من الزمان.
وعن أهمية المعرفة يقول الدكتور راجح الكردي:«المعرفة العقلية لازمة للإنسان بما هو إنسان، ومن ثم فإن قيمة هذه المعرفة هي قيمة الإنسان ذاته في هذا الوجود. وإن أي إفراط أو تفريط في دور هذه المعرفة وحدودها ومجالاتها، ليؤثر في تقييم الوجود الإنساني في الكون. ولذلك كان الإفراط في دور العقل في المعرفة وتقديسه ورد الوجود كله إليه في الفلسفة المثالية مؤديًا إلى تقديس الإنسان وادعائه سلطة الوجود المركزي في الكون».
ونتيجة التطور الهائل الذي حدث في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات أصبح الحصول على المعرفة من الضرورات لكل إنسان حتى يتمكن من الارتقاء بمستواه في كل المجالات ويوفر بيئة تعليمية ومعيشية أفضل لأولاده وللأجيال القادمة.
ومعارف الإنسان وحاجاته تزداد يومًا بعد يوم، والطفل اليوم بفضل وسائل الإعلام المتنوعة يعرف عشرات أضعاف ما كان يعرفه الكبار في السابق وفي ظل التطور الهائل والمستمر الذي تشهده كل العلوم الطبيعية لم تعد المقررات الدراسية في المدارس والجامعات مع ما يعتريها من قصور قادرة على مسايرة هذا التطور الذي يحدث يوميًا في كل مجالات العلم والمعرفة.
وقضية حرية الوصول للمعلومات وتداولها تحظى باهتمام كبير على المستوى الدولي, وفي مجتمع المعلومات لم يعد مطلوبًا من الدول توفير الخبز والحرية فقط, بل لابد أن يكون معهما المعلومة والبيان والحاسب وشبكة المعلومات.
والأسس الفلسفية للتعليم في النظرية العالمية الثالثة كما يقول الأستاذ على الهمالي تقوم على:
– المعرفة حق طبيعي لكل إنسان ولا يجوز لأحد أن يحرمه منه.
– المعرفة الإنسانية خالية من التعصب والتكييف العمدي.
– أن يوفر المجتمع كل أنواع التعليم ويترك للناس حرية الاختيار.
– المجتمعات التي تحتكر المعرفة أو تمنعها هي مجتمعات رجعية.
– التعليم الإجباري تجهيل إجباري.
– المجتمعات التي تشوه دين الغير أو حضارته وسلوكه هي مجتمعات متعصبة ورجعية.
– الجهل سينتهي عندما يقدم كل شيء على حقيقته».
والحق في المعرفة والحصول على المعلومات من مصادرها المختلفة، يصنف ضمن الجيل الثالث من أجيال حقوق الإنسان. والتطور التقني المذهل إلى ظهور أنواع عديدة من الحقوق ومنها: الحق في الاتصال بالإنترنت والحق في اتصالات غير مقيدة، والحق في شبكات اجتماعية، والحق في الخصوصية عبر الإنترنت، والحق في أجهزة ومعدات خالية من القيود، والحق في برمجيات متحررة من القيود، والحق في مواقع عامة على الويب.
وبنظرة سريعة على هذه الحقوق، يتضح أنها أقرب إلى الأمنيات والأحلام منها إلى الحقيقة، لأن هناك عقبات كثيرة تمنع ملايين البشر من التمتع بهذه الحقوق. فملايين البشر لا يملكون أجهزة حاسوب، ولا توجد لديهم شبكات إنترنت، ولا تتوفر لديهم شبكات اتصال، والبرامج الإلكترونية تخضع للحماية الفكرية، وبعض الدول تضع قيودًا على المواقع الإلكترونية، وتحجب العديد منها لتعارضه مع سياساتها.