مآلات الاتفاقية النووية بين إيران والغرب
د. أبو يعرب المرزوقي
1-أعود مرة أخرى للاتفاق النووي لأني ألاحظ أمرين يهملهما صفا المحللين أعني الخائفين من نتائجه والفرحين به. والخائفون نوعان والفرحون نوعان.
2-وما سأبينه نوع خامس يختلف عنها للاسباب التي سأعرضها وتتعلق بما أهمل: أولا بسلوك الشعب الإيراني مستقبلا لا الملالي وثانيا بثورتي سنة العرب : الربيع والعاصفة.
3-ولأبدأ بالخائفين. فإسرائيل ليست خائفة رغم الكوميديا التي تجيد لعبها فهي تبتز أمريكا لتحصل على فوائد أكبر في ما تتوهمه من اقتسام للسلطان على الإقليم.
4-فمن يملك مئات القنابل النووية لا تخيفه قنبلة لم تصنع بعد وحتى إذا صنعت فسيواجهها الغرب كله بدعوى منع تكرار الهولوكوست. إنها لا تخيف من يعرف بحق موازين القوة.
5-لكن تقاسم الدور البوليسي في الإقليم هو موضوع الابتزاز لأن إسرائيل تتفوق على إيران بالقوة العنيفة وإيران تتوفق عليها بالقوة اللطيفة: إذ إيران من نفس الحضارة وإسرائيل غريبة عن المنطقة.
6-والغرب يعلم أن التخريب بالقوة اللطيفة وخاصة إذا كانت من نفس الحضارة أكثر فاعلية من التخريب بالقوة العنيفة خاصة إذا كانت من حضارة مختلفة: فتخريب إيران يفعل في الأرواح ويساعد على إفساد النهضة الإسلامية (ولها تجربة سابقة سواء مع المغول أو مع الصليبيين).
7-أما القوة العنيفة وخاصة الأجنبية فهي بالعكس يمكن أن تحفز قوة المسلمين والسنة فتكون النتيجة معكوسة. فأراد الغرب الجمع بين القوتين في “بولسة” الإقليم.
8-وهذا ما تخشاه إسرائيل: أن ينقلب الدور فتكون إيران هي الشرطي وتكون إسرائيل مساعدة الشرطي بعكس ما كان عليه الأمر في زمن الشاه. إيران تخرب الأرواح وإسرائيل تكون مجرد هرواة بيدها وبيد الغرب.
9-لذلك فإسرائيل مهتمة بمنع إيران من جمع القوتين حتى لا ينحصر دورها في الهراوة التي تستعمل عسكريا لمنع تكون أي قوة عربية أو تركية لتحول دون دورهما الإقليمي.
10-ولما كانت إسرائيل حاليا ذات يد طولى في مطابخ القرار الغربي فإنها لن تسمح بذلك وهم أرضوها بمنع جمع إيران بين القوتين في انتظار حل آخر.
11-أما الخائف الثاني فهو العرب. والخوف العربي مشل وليس محركا لعلتين: أولا لتعددهم وتنافرهم وثانيا لأن ما يصلحه بعضهم يفسده البعض بمنطق الأخوة المتناحرين على الميراث.
12-وحدة العرب مستحيلة لأن الخونة بينهم أكثر من المخلصين. ويبقى أمل في دولتين على اساس السنية لا القومية وهذا أفضل. إنـهما: السعودية وتركيا لأن الاتفاق يهدد دورهما بل ووحدة أرضيهما.
13-فإذا إدركت السعودية وتركيا تهديد الأتفاق ليس لدوريهما فحسب بل لوجود دولتيهما كذلك بالطائفية الدينية للأولى والطائفية العرقية للثانية فإن الخوف قد يصبح محركا.
14-وحينئذ فإن الغرب سيجد أن المعادلة تغيرت ويضطر لأحد حلين: فإما مزيد من الفوضى الخلاقة أو ما أتصور أنه سيفضله هو الحد من دور إيران وفرض التطبيع مع إسرائيل بحل المشكل اعتمادا على مبادرة المرحوم الملك عبد الله.
15-أما الفرحون فهما نوعان كذلك: روسيا التي تتوهم أن إيران بعد التطبيع مع الغرب ستبقى مبجلة لها. وهذا من غباء بوتين الذي يظنه الكثير داهية.
16-توقعي أن الشعب الإيراني بعد أن يتحرر من عائق العزلة فيحصل التواصل مع الغرب ومع شركاته الكبرى لن يفضل التخلف الروسـي في تعاملاته وإعادة البناء على التقدم الغربي.
17-وإذن فالشركات الروسية وكل الوعود بالعقود ستتبخر وسيخرج بوتين بخفي حنين من الاتفاقية لأن التغريب الإيراني القديم سيعود ليسيطر وحده خاصة والشباب يشتاق لنموذج العيش الأمريكي.
18-أما الفارح الثاني فهو الملالي والحرس الثوري لأنهم يتصورون انهم ضمنوا بقاء النظام والتسلط المزعوم ثوريا والذي سيفقد كل حججه لأن الشيطان صار ملاكا بالنسبة إلى الشباب. وهذا هو بيت القصيد: ظني أنهم نسوا الشباب الإيراني.
19-ما أتوقعه هو أن رجال الأعمال والشباب والنخب كلها ستعتبر الفرصة سانحة للتحرر من نظام الملالي ومن حرس الثورة في أقل من المهلة المعطاة لهم.
20-قبل نهاية مهلة إيقاف المشروع النووي سيقع للنظام الإيراني مثلما وقع للنظام السوفياتي: سينهار من الداخل لزوال كل الحجج لمنع الديموقراطية والرفاهية.
21-وإذن فإيران بين حلين: إما أنها تتحول إلى ديموقراطية وتمكن شبابها من حياة مترفهة مثل الخليج فيسقط النظام والحرس الثوري أو تسقط في حرب أهلية وتتفكك بحسب القوميات التي فيها.
22-فإيران هي أكثر بلاد الإقليم هشاشة بسبب النظام السياسي وبسبب البنية العرقية والتطرف الطائفي: أي إن كل ما تفعله الآن خارجيا سيصبح من الآن فصاعدا داخليا.
23-لكن سلوك سنة العرب الذي من هذا النوع بدأ مع الربيع العربي وظهرت لدينا الظاهرتان المتوقعتان لإيران الثورة المضادة والثورة: حرب أهلية لأجل الديموقراطية.
24-وحظوظ النجاح عندنا أكبر منها عندهم لعلتين: فأولا لأن بعض الأنظمة العربية تمكنها ثروتها من أن تحقق الإصلاح الذاتي دون حاجة لثورة فتضعف مساعدتها للثورة المضادة .
25-ولما يصلح أغنياء العرب نظامهم فإنهم لن يعتبروا الثورة حربا عليهم بل بالعكس فإنه يكون بوسعهم لمنع العدوى تلهية أصحابها بالإغراء التنموي فيقل التطرف الثوري.
26-ذلك هو الرأي الذي أخالف به التحليلات بصنفيها الخائف والفارح وليس هو نبوءات بل هو محاولة فهم مجريات الأحداث انطلاقا من قناعة بكونها ذات قوانين تحكمها.
27-والقوانين كلية وليست خاصة بشعب دون شعب حتى وإن تنوع ظهور فاعليتها. النظام الإيراني وحرس الثورة أفسد من النظام المصري من ناصر إلى السيسي وعسكرهما.
28-لذلك فمبدأ الصمود الذي حافظ على النظام المصري والعسكري طيلة 60 سنة كان دعوى الثورة والتصدي لأمريكا والعداوة المزعومة لإسرائيل وكذبة تحرير فلسطين. وكذلك يعمل نظام الخميني لكنه أقصر عمرا (لا وجود لصراع القطبين ولا وجود لعدم الانحياز).
29-فالتصدي لأمريكا ستنهيه الاتفاقية وسيطرة الحرس سينهيها الشباب الذي يريد الحرية والكرامة. لذلك فالنظام سينهار حتما ومليشياته العربية التي كانت تتمعش من مقاومة إسرائيل سيسبق انهيارها لأن النظام سينشغل عنها بهمومه.
30-وإذن فالاتفاقية هي شهادة وفاة أحزاب الله. لم يبق لزميرة حق مناوشة إسرائيل فاللعبة انتهت (وهذا من شروط الاتفاقية) ولم يبق له إلا جعل احتلالـه للبنان علنيا.
31-وهو قد بدأ فتلك هي معركة الزبداني: زميرة وبشار لم يبق لهما إلا تكوين دويلة في المناطق العلوية والشيعية. والخطر كل الخطر يهدد وحدة لبنان وسوريا.
32-لكن “من يحسب وحده يفضل له” كما يقول المثل التونسي: فالثورة السورية ستنتصر بعد أن تنشغل إيران بهمومها الداخلية التي لن يطول انتظارها.
33-ومعتوه المسيحيين في لبنان الذي يتوهم نفسه الجنرال دو جول سيفقد كل أوراقه ويأتي دور عقلاء المسيحيين لكي يحموا لبنان مع سنته ويصبح زميرة حتى في طائفته منبوذا لأن شيعة لبنان بدأت تعي حجم الورطة.
34-والسؤال: ما المبدأ الموحد الذي استند إليه في هذا التصور الذي يخالف الخائفين من الاتفاقية والفرحين بها؟ إنه-وقد تعجبون-ما حصل من تلاق بين فرعي السنة بفضل عاصفة الحزم.
35-فالتلاقي منة إلهية بل هومكر إلهي خير: من كان يظن أن البلد الأساسي الذي مول الثورة المضادة وأعان الانقلاب في مصر أنقذه الله بملك صالح وقيادة شابة أدركت حقيقة الخطر؟
36-من كان يتصور أن الوهابية والإخوانية (أهم أعمدة السنة حاليا) تصبحان في خندق واحد ضد الخطر الذي يهدد الثورة حتى ومن سبق فـمولوا الثورة المضادة؟ أليس هذا معجزة؟
37-عاصفة الحزم من المكر الإلهي الخير: لا يمكن للسعودية أن تقطع يد إيران التي تهدد وحدتها من دون حلف مع القوة الثانية في اليمن أي الإخوان وفي كل الإقليم.
38-لكن الأهم من ذلك: كيف يمكن للسعودية أن تبقى إذا نجح السيسي وهو الحليف الحقيقي لعدوي الإسلام: إيران وإسرائيل وحتى بقايا الصليبية خاصة إذا وعدوه بنصيب من الغنيمة؟
39-فالخطر القادم من اليمن يهدد الحدود. لكن الخطر القادم من مصر السيسي يهدد الوجود: كيف؟هل يمكن تصور السعودية من دون السنة وخدمة الحرمين؟
40-فإذا لم تحم السعودية السنة فإنها تفقد رسالتها ولن تكون لها أدنى شرعية في خدمة الحرمين: من دون هذا الدور ينفرط عقدها فتعود إلى القبلية.
41-ذلك ما أتمنى أن يوضع نصب أعين قياداتها السياسية والتربوية والثقافية والاقتصادية وخاصة الدينية ليدركوا روح بلادهم مع الثروة المادية.
42-بعد أن بينت الأصل الموحد لعناصر التحليل المخالف لتحليل الخائفين من الاتفاقية وتحليل الفرحين بها أريد أن أختم بوصف منهجيته: الانطلاق من طبائع الأشياء وقراءتها بمنطق السياسة.
43-بكلمة واحدة: لو كنت في وضع السياسي الذي يضع استراتيجية الفعل فإنـي سأعتبر ما ذكرت من العناصر في معادلتي لأضمن النصر على الأعداء. ليت القيادات تفعل.
مآلات الإتفاقية النووية بين إيران والغرب – أبو يعرب المرزوقي