على عكس المواقف الحازمة والحاسمة تجاه النظم الحاكمة التي خرجت الشعوب في عدد من الدول العربية مطالبة برحيلها كان الموقف المخزي تجاه الجرائم التي يرتكبها النظام السوري الذي قتل حوالي 1500 شخص واعتقل الآلاف منذ اندلاع الاحتجاجات في سوريا.
والأحداث في سوريا قوبلت بصمت عربي مطبق على المجازر المستمرة بحق الشعب السوري فلم يصدر عن الجامعة العربية أو أي دولة عربية إدانة للأعمال الوحشية التي يقوم بها النظام في مواجهة انتفاضة الشعب السوري.
والإدانة التي صدرت من بعض الدول والعقوبات التي تم توقيعها على بعض الشخصيات السورية لم ُتفلح في توفير الحماية للمدنيين أو في إجبار النظام السوري على وقف العنف تجاه المتظاهرين المطالبين بالحرية والكرامة.
والتدخل في ليبيا لحماية المدنيين جاء سريعاً وبناء على طلب من المجموعة العربية والدول العربية والغربية توافقت على دعم الثوار بالأموال وبالسلاح واعترف عدد كبير منها بالمجلس الانتقالي ممثلاً شرعياً عن الشعب الليبي وفي المقابل تُرك الشعب اليمني في مواجهة بطش النظام وترك الشعب السوري في مواجهة آلة القتل ممثلة في قوات الجيش وقوات الأمن والشبيحة وسبب التخلي عن الشعبين اليمني والسوري هو عدم وجود منافع اقتصادية للغرب في هاتين الدولتين. والموقف التركي كان الموقف الوحيد المتقدم والحازم وذلك من خلال حديث القيادات التركية عن الفظاعات التي يرتكبها نظام بشار الأسد بحق الشعب السوري وضرورة وقف أعمال العنف ومحاولة إيجاد مخرج من الأزمة ومطالبة الرئيس السوري بشار الأسد بإجراء إصلاحات فعلية على نظام الحكم في سوريا.
تشابه النظم العربية
النظام السوري يلتقي في طبيعته وفي سياساته وتوجهاته وفي تعامله مع الشعب مع الأنظمة العربية الأخرى في عدة أمور منها:
أولاً: فقدان الشرعية، فقد وصل بشار الأسد للرئاسة في سوريا عبر مسرحية هزلية لا يمكن أن تحدث إلا في الدول العربية فقد تحول نظام الحكم الجمهوري في سوريا إلى نظام ملكي تنتقل فيه السلطة من الأب إلى الابن بتعديل دستوري معيب تم في غفلة من الزمان بمباركة الهتيفة من أعضاء مجلس الشعب السوري.
والنظام الحالي في سوريا فقد شرعيته مجدداً عندما قام بقتل الأطفال وقتل المتظاهرين المسالمين في القرى والمدن السورية.
ثانياً: الكذب المتواصل على الشعوب والحديث عن مؤامرات خارجية تستهدف سوريا بصفتها من الدول الممانعة في المنطقة والقول بأن دخول الجيش وقوات الأمن للمدن السورية جاء بناء على طلب الأهالي لحمايتهم من العصابات المسلحة والأفراد الخارجين على القانون الذين يهددون الأمن والاستقرار.
ثالثاً: الكذب على العالم الخارجي وعلى الغرب بصفة خاصة والحديث عن الجماعات الإسلامية التي تسعى للحكم وإقامة إمارات إسلامية.
رابعاً: عدم الفهم وعدم الاستفادة من التجارب الماثلة للحكام في الدول العربية مثل تونس ومصر وضيق الأفق لدى الطغمة الحاكمة وتغليب الحل الأمني في مواجهة ثورة شعبية.
خامساً: وجود نخبة فاسدة فاجرة تدعم النظام وتدافع عنه وعن جرائمه بكل ما أوتيت من قوة وهذه النخبة الفاسدة تضم مستشارين وكتابا وإعلاميين وفنانين، وهؤلاء شركاء أصليون في الجرائم التي ترتكب بحق الشعب السوري.
سادساً: سياسة الإقصاء التي مارسها النظام السوري لعقود من الزمان وسيطرة حزب البعث على مفاصل الحياة في سوريا وقمع التيارات والتوجهات الأخرى. سابعاً: الدعوة للحوار بعد فوات الأوان فعندما أدرك النظام في سوريا خطورة الموقف وجسامة الأحداث دعا إلى الحوار مع المعارضة وهذا الحوار لن يجدي لأنه حوار لجأ إليه النظام مكرهاً تحت وقع الأزمة ولأن قادة النظام في سوريا لم يؤمنوا يوماً بأهمية الحوار والتعايش السلمي وهدف النظام من الدعوة للحوار هو كسب المزيد من الوقت حتى يتمكن من استعادة السيطرة على الأوضاع التي خرجت بالفعل عن السيطرة.
وموقف الجيش السوري من الأحداث التي تجري في سوريا موقف مخز وعار على العسكرية فالجيش السوري لم يحرك ساكناً أمام احتلال الجولان وأمام الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة على مناطق مختلفة من سوريا وهذا الجيش تحرك لقمع الشعب وقتل الجماهير وهذا التصرف ينزع عن الجيش السوري صفة الوطنية ويصنفه في خانة الخونة وسدنة النظام الفاسد.
جرائم النظام السوري
النظام السوري ارتكب بحق الشعب جرائم لا تغتفر وينبغي أن يحاكم عليها قادة هذا النظام الفاسد والفاشل والحجة التي تذرع بها النظام السوري في ممارسة القمع والإذلال والتجويع هي حجة الممانعة التي اتضح زيفها عندما تحرك الجيش لقمع المتظاهرين ووجه رصاصاته إلى صدور الشعب.
وقادة النظام السوري ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية وينبغي أن يحاسبوا عليها ومن هذه الجرائم القتل المتعمد للمتظاهرين السلميين الذين خرجوا للشوارع مطالبين بإصلاحات حقيقية. ومن جرائم النظام السوري جرائم التعذيب فهناك تعذيب للمعتقلين بأساليب وحشية وهناك اذلال متعمد للمعتقلين وهناك تصرفات غير إنسانية مثل الوقوف فوق أجسام المعتقلين والضرب المبرح ووضع المعتقلين في الحقائب الخلفية للسيارات الصغيرة. ومن جرائم النظام السوري مصادرة الحريات والآراء والاعتقال التعسفي للمعارضين بحجج واهية وسخيفة مثل إضعاف الشعور القومي وتوهين نفسية الأمة وتعكير صفوها.
ومن جرائم النظام السوري نشر الخوف والفرع في نفوس الناس وإجبار السكان على الرحيل من قراهم ومدنهم فقد استقبلت تركيا أكثر من عشرة آلاف لاجئ سوري فروا من القمع والبطش الذي يمارسه الجيش وتمارسه الأجهزة الأمنية.
وعندما ازداد عدد اللاجئين السوريين الفارين إلى تركيا وشكل مصدر قلق للنظام في سوريا وخوف من صدور قرارات ُتجرم النظام عمد النظام إلى التضييق على سكان المدن الحدودية ومنعهم من عبور الحدود باتجاه تركيا.
ومن الجرائم التي ارتكبها النظام السوري محاصرة المدن والقرى السورية وحرمان الأهالي من المقومات الضرورية للحياة مثل: الماء والطعام والأدوية والكهرباء بالإضافة إلى قطع وسائل الاتصال.
والنظام السوري استخدم الجيش كأداة لمعاقبة المدن والقرى التي خرج أهلها مطالبين بالحرية والكرامة ومشهد الدبابات التي تحاصر المدن والقرى وتطلق القذائف باتجاه الأحياء السكنية تكرر كثيراً منذ بدء الانتفاضة الشعبية في سوريا.
والجيش السوري قام بمحاصرة مدينة حماة وقتل فيها أكثر من 20 شخصا وجرح نحو 100 آخرين خلال يوم واحد بالإضافة إلى اعتقال أعداد كبيرة من أهالي المدينة وهذه الأحداث تذكرنا بمذبحة حماة في عام 1982 والتي قتل فيها نظام الأسد الأب ما بين 10 – 40 ألف سوري وحذر رئيس الوزراء التركي أردوغان من تكرارها.
الثورات بداية وليست نهاية
الشعوب العربية تستحق أوضاعاً أفضل بكثير مما هي عليه الآن والثورات التي تشهدها الدول العربية حالياً هي البداية لتصحيح الأوضاع وليست نهاية المطاف كما يظن البعض فالمسيرة نحو الإصلاح والنهوض ما زالت طويلة.
والثورات العربية تواجه العديد من المخاطر الداخلية والخارجية فهناك من يحاول سرقة وإجهاض هذه الثورات وهناك من يحاول استغلال هذه الثورات وتوجيهها في المسارات التي تخدم أهدافهم مصالحهم.
والثورة فعل متجدد والهدف من الثورة هو التغيير الشامل وهذا التغيير يتطلب من الجميع التفاني والإخلاص والعمل الجاد من أجل النهوض.
وثورة الشعب في سوريا وفي اليمن وفي غيرهما بحاجة إلى وقفة حازمة من جامعة الدول العربية تجاه الأنظمة المستبدة التي تنتهك حقوق الإنسان العربي وتقمع وتقتل شعوبها. والشعوب العربية مطالبة في هذه الفترة الحاسمة من تاريخها بالوقوف على قلب رجل واحد وتقديم الدعم المادي والمعنوي للشعوب التي ثارت على عقود من الظلم والذل والهوان وإهدار الكرامة والإنسانية.
والثورات العربية ستخلق واقعاً جديداً يعيد للمواطن العربي حريته وكرامته التي ُمرغت في التراب ويعيد للأمة العربية مجدها وعزتها.
تم النشر في: 09 Jul 2011