الحفاظ على السمعة.. نظرة شرعية
الشيخ محمد كمال
مطلوب من كل مسلم بل من كل رجل شريف أو امرأة شريفة أن يحفظا سمعتهما، فهي رأس مال المرء الحقيقي، ويجب على كل إنسان أن يكون كالكتاب المفتوح يقرأه من يشاء ممن حوله، أبيض الثوب والسيرة بين الناس لا يلمز عليه أحد، ولا يغتابه أحد، ولا يكون موضوعًا شيقًا لكل مجلس ولكل متحدث، هذه هي صورة المسلم والمسلمة في دين الله تعالى، فلا يليق بك أن تأتي من المناقص ما يكون سببًا للطعن في شخصك فضلا عن سمعتك (والكلام للجنسين)، وهناك فرق كبير بين أن يذل المسلم نفسه أمام الجميع، أو أن يحقر من نفسه أمام كل الناس، بزعم أن يبعدها عن الكبر والترفع، فقد قال النبي: (ليس لنا مثل السوء)، كما حذر من ذل الإنسان لنفسه حيث قال:”لا ينبغي لمسلم أن يذل نفسه» قيل: وكيف يذل نفسه؟ قال: يتعرّض من البلاء لما لا يطيق» رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.
كذلك ليس الحديث عن السمعة هنا مما يدخل في قلوب البعض من نهي الشارع عن الرياء والسمعة، فالمسلم يتجمل بحسن ستر الله عليه، فكلنا من أصحاب المعاصي المتنوعة والتقصير في جنب الله تعالى – بلا استثناء-، ولو كان للمعاصي رائحة لما جالس أحد أحداً، و في المقابل لا يظهر عمله الحسن ليبلغ به منزلة بين الناس أو ثناءً في قلوبهم، ففي هذا المعنى يقول النبي:”مَنْ سَمَّعَ، سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِي، يُرَائِي اللَّهُ بِهِ” .
وفي المقابل يترفع البعض عن خلق الله ويشمخ بأنفه فوقهم، ومن المعلوم أنه لا يرفع نفسه إلا فارغ، فالشجرة المثمرة كلما زاد ثمرها كلما انحنت وقربت من قاطفيها، ولا ترتفع الشجرة فوق الخلق إلا إذا كانت فارغة لا قيمة في الخير لها(كذلك البشر)، ومن غير المقبول ارتفاع أحد من الخلق فوق عباد الله-كائنا من كان-، فكيف يتكبر من خرج من مجرى البول مرتين؟؟؟ ومن يعرف من مناقص نفسه ما لا يعلمه غيره!!!
هل الحفاظ على السمعة من ديننا؟
الناظر إلى مسألة السمعة في شريعتنا تجدها كالشمس في أدلتها وهي من جمال صورة المسلم بين عباد الله أجمعين مسلمهم وكافرهم، فقد قال خير البرية: فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، فلابد أن تجعل بينك وبين الحرام سياجًا من الاحتياط حتى تؤِّمن نفسك من مزالق الشيطان وقد قال تعالى:{وخلق الإنسان ضعيفا} هذا على المستوى الشخصي لكل مسلم.
أما بين الناس ففي حديث الهادي البشير: أن صفية بنت حيي جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت تنقلب فقام النبي صلى الله عليه وسلم معها يقلبها، حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة، مر رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: (على رسلكما إنما هي صفية بنت حيي) فقالا: سبحان الله يا رسول الله وكبر عليهما! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً)، فقد دفع المعصوم عن نفسه الشبه وبين لهما أنها صفية زوجه، حتى لا يقذف الشيطان في قلوبهما شرا، قال ابن دقيق العيد: وهذا متأكد في حق العلماء ومن يقتدى به، فلا يجوز لهم أن يفعلوا فعلاً يوجب سوء الظن بهم وإن كان لهم فيه مخلص؛ لأن ذلك سبب إلى إبطال الانتفاع بعلمهم، ومن ثم قال بعض العلماء : ينبغي للحاكم أن يبين للمحكوم عليه وجه الحكم إذا كان خافياً نفياً للتهمة.
وقال النووي رحمه الله في الأذكار:”إعلم أن ذكرَ محاسن نفسه ضربان: مذموم ومحبوب، فالمذمومُ أن يذكرَه للافتخار وإظهار الارتفاع والتميّز على الأقران وشبه ذلك، والمحبوبُ أن يكونَ فيه مصلحة دينية وذلك بأن يكون آمراً بمعروف أو ناهياً عن منكر أو ناصحاً أو مشيراً بمصلحة أو معلماً أو مؤدباً أو واعظاً أو مذكِّراً أو مُصلحاً بين اثنين أو يَدفعُ عن نفسه شرّاً أو نحو ذلك فيذكر محاسنَه ناوياً بذلك أن يكون هذا أقربَ إلى قَبول قوله واعتماد ما يذكُره.. وقد جاء في هذا لهذا المعنى ما لا يحصى من النصوص كقول النبيّ صلى الله عليه وسلم:” أنا النَّبِي لا كَذِبْ “، وقوله صلى الله عليه وسلم:” أنا سَيِّدُ وَلَد آدَم “، وقوله:”أنا أوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأرْضُ” وقوله:”أنا أعْلَمُكُمْ باللَّهِ وأتْقاكُمْ”، وقوله:”إني أبِيتُ عنْدَ ربي يطعمني ويسقيني” وأشباهه كثيرة، وقال يوسف عليه السلام:{اجْعَلْني على خَزَائِنِ الأرْضِ إني حَفِيظٌ عَلِيمٌ}، وقال شعيب عليه السلام:{سَتَجِدُنِي إنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}.
– وفي قصة يوسف الصديق عندما ذكر الله تعالى دفاع يوسف عن نفسه التهمة والريبة حتى لا يظن به الظنون لما سارعت المرأة بعد ما وجدت سيدها على الباب:{قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم}، دفع يوسف عن نفسه التهمة مباشرة تنزيها لعرضه؛ فقال:{قال هي راودتني عن نفسي}، كذلك حين اتهموا إخوة يوسف بالسرقة، سارعوا بنفي التهمة عن أنفسهم بقولهم:{قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين}. فكل إنسان شريف يسارع لينفي عن عرضه أي مساس به أو دنس، ولا يقول كما يقول ناقصي العقول: أضع الناس تحت قدمي ولا أبالي بهم، فأنت لا تعيش في صحراء بين حيواناتها، إنما إنسان كريم مشرف تحيى بين أناس، فلابد أن يكون لك سمتا صالحا وعرضا نقيا بينهم، سائلا الله تعالى أنه كما ستر قبائحك عن الخلق أن يغفرها لك يوم الدين، فهو أرحم الراحمين.