خروج بريطانيا … دلالته أوروبيًا وعالميًا وفائدته عربيًا وإسلاميًا
ماذا يعني خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لأروبا وللعالم؟ ومافائدته بالنسبة إلينا كعرب ومسلمين؟ معان عدة سأحاول فحصها بترتيب هذين السؤالـين.
بالنسبة إلى أوروبا فقدت أوروبا لسانها أو لاتينيتها الجديدة: فلا يمكن أن تبقى الأنجليزية لاتينية أوروبا الحديثة بعد خروجها وهو مؤشر خطير.
فبفقدان اللاتينية تفتت أوروبا وأصبحت عامياتها لغات وطنية. لكن ذلك حصل خلال قرون وتولد عنه تنافس في الزعامة اللسانية في حضارة أوروبا. وسيتكرر بعد خروج لغة شكسبير.
وبخروج بريطانيا سقط الجسر بين أوروبا اللاتينية وأوروبا الجرمانة لأن الأنجلوسكسون يجمعون بين الثقافتين مكوني اللغة الانجليزية: وهذا انقسام أول سيترتب عليه الكثير.
لكن في ما يتجاوز العلاقة الأوروبية الأوروبية يوجد عاملان مهمان على جانبي أوروبا ثم من فوق ومن تحت أومن الشمال والجنوب. فعلى جانبيها روسا وأمريكا.
6-والشد إلى الجانبين سيعيد دور روسيا ودور أمريكا بأكثر بروزا بسبب التبعية الطاقية للأولى وبسبب التبعية الدفاعية للثانية فتعود أوروبا لما قبل الحرب الباردة.
والشد من فوق ومن تحت أيضا سيزداد لأن فرنسا ستبحث عن تحقيق التوازن مع ألمانيا التي لها الشمال وهي ستحاول ربح الجنوب الأوروبي ومعه العرب وافريقيا.
وفي الحالتين فإن فرنسا ستشعر أن عدم سماع ميتران لنصيحة تاتشر بعدم السماح بوحدة ألمانيا يضعها أمام خطر عدم التوازن فلكأن مشروع هلتر تحقق سلميا.
9-وبين أن مشروع هتلر مثل مشروع نابليون هو سيطرة عشكرية على أوروبا لكن مشروع هتلر هو اليوم اقتصادي وقد يصبح ثقافيا لأن التنافس اللغوي سيعود بخروج الانجليزية.
وعودة التنافس اللغوي والاقتصادي قد يفكك النواة الأوروبية أعني ألمانيا وفرنسا التي هي الأضعف وفيها ستبدأ النزعات الحمائية والقومية فالانفصالية.
ولما كانت أوروبا تعاني من الشيخوخة وتتخوف من الإسلام فإن النزعات اليمينية المتطرفة قد تسيطر على المسرح السياسي وتشرع في حرب دينية محتملة.
ولست أعني حربا دينية مع الدول الإسلامية فهذه أعجز من أن تتصدى لأي ظاهرة من هذا النوع فهي مغزوة حاليا وليست غازية بل أقصد حربـا داخل أوروبا نفسها.
لكن حاجة فرنسا للجنوب قد تصد مثل هذه النزعة الممكنة. وحاجتها إلى الجنوب هي قارب النجاة الوحيدة. فاقتصادها من دون افريقيا لن يستطيع المنافسة.
لكن ذلك يعني أن افريقيا وفيها ثلثا العرب-رغم سيطرة عرب آسيا بسبب النفط-ينبغي أن تكون لها قيادات تجعل ذلك تعاونا نديا لا استعمارا فرنسيا جديدا.
لهذا كتبت هذه التغريدات السريعة. والحدث جلل ويحتاج ربما إلى تحليل أعمق. لكن أهم ما يمكن أن ينتج عليه هو ما أشرنا إليه. والله أعلم.
وأتوقع حدوث مفارقة عجيبة لكنها ذات سابقة تاريخية. ففي الحرب العالمية الأولى كانت تركيا حليفة ألمانيا التي كانت بلا مستعمرات بعكس فرنسا وأنجلترا.
واليوم قد تحتاج فرنسا كما سبق أن احتاجت إلى تركيا. فقد احتاجت إليها في نهايات القرون الوسطى حليفا ضد ألمانيا التي كان يمثلها شارل الخامس.
ومن ثم فللعالم الإسلامي ممثلا بتركيا فرصة أداء دور في ما يحدث في أوروبا. اقتصر على تركيا لأن العرب قصيرو النظر ومنشغلون بالملاهي ونطح السحب.
فالزلزال الذي يهز أوروبا قد يجعلها جزءا من الإقليم الذي يمكن أن يفتح فيه باب التنافس وكان يمكن للعرب أن يدخلوه لو كانت لهم قيادات ذات طموح.
لكن كلما نظرت حولي لم أر للعرب ما يمكن أن يعبر عن طموح جدير بالاعتبار: فأهم استثماراتهم في اللهو والمتعة حتى جعلوا بعض بلاد العرب مواخير لهم.
وتلك من مهازل الدهر العربي: يدعون الانتساب إلى الإسلام وهـم أكفر خلق الله بكل القيم ما عدى العيش عيش المخلدين إلى الأرض وملء بنوك الغرب.
صحيح أن الثورة فضحت على الأقل خمسة أنظمة: تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن. لكني لا أتصور البقية مختلفة بل لعلها أفسد بالتناسب مع الثروة.
ولوجمعنا المسروق في بلاد العرب الخمسة لكان وحده كافيا لإخراجـهم من التبعيتين في الحماية والرعاية ولما بقيت دول العرب محميات يساعدونها بما نهب منها.
فما بالك لو أضفنا إليه ما سرق من بلاد العرب الأخرى وهي الأغنى إما مباشرة أو في شكل تحيل وعمولات في الصفقات العمومية التي هي نهب خفي للثروة.
وما لم أستطع له فهما هو ظن الحكام أن البلاد ملك لهم والعباد خول لديهم وهم أرباب لا يسألون. ثم لهم علماء سوء يرون الإسلام الصحيح هو إسلامهم.
فيمكن حتى لأكثر المسلمين تحريفا للإسلام -التشيع والتدعشن-أن يبدو أكثر شرعية وإقداما منهم لأنهم في الحقيقة مخلدون إلى الأرض ويعبدون الفاني والمغاني.
فلو قارنت قوة إيران المادية بما لدي العرب لعجبت: فهي دونهم بما لا يقدر في كل مجال اقتصادي أو حتى تقدم حضاري لكنها تغزوهم في عقر دارهم.
فكيف لي أن أطمع في أن أراهم يدخلون معركة التنافس التي فتحت ببداية انفراط عقد الوحدة الاوروبية وعودة أوروبا لما قبل الحرب العالمية الثانية.
فالطموح إلى المجد قد غادر قلوب العرب منذ قرون ولم يبق لهم إلى عبادة الكراسي ولو في محميات فكيف تنتظر طموحا كونيا كالنشأة الأولى.
المصدر: جريدة الجسر الإلكترونية.