الترايكلوزان في الميزان
كيميائي: محمد الشبراوي
إذا كنت تستخدم صابون الأيدي السائل؛ فإن هذا المقال موجهٌ لك، أما إذا كنت تستعمل قطع الصابون الصلب؛ فأنت أيضًا ممن يستهدفهم هذا المقال. فإن كنت تستخدم معجون الأسنان، مطهرات الأيدي السائلة، مستحضرات العرق، شامبو الجسم (Body lotion)، باختصار اجتهد في قراءة هذا المقال لصحتك وصحةِ من حولِك.
الترايكلوزان Triclosan والمعروف لنا اختصارًا TCS مركب كيميائي ظهر للنور من خلال معامل شركة سيبا Ciba-Geigy السويسرية عام 1964. ومع دخول السبعينيات تم الاستخدام التطبيقي الأول للترايكلوزان كمبيد حشري، ثم حلّ ضيفًا على عالم مستحضرات العناية الشخصية ومستحضرات التجميل كمادة مضادة للميكروبات، ثم توسعت مشاركات الترايكلوزان لتصل في عام 2014 إلى تواجد الترايكلوزان في 2000 منتج مختلف في مجالات الصناعة المتباينة. يدخل الترايكلوزان في إنتاج 75% من منتجات صابون الأيدي السائل، وبنسبة 29% في صابون القطع الصلب. الترايكلوزان عند استعماله بتركيزات عالية يقوم بقتل البكتريا، وعند استعماله بتركيزات شديدة القوة مثل تركيز 2.0% فإنه يقضي على البكتريا المقاومة للمضادات الحيوية مثل بكتريا MRSA، في حين أنه عند استخدامه بتركيزات منخفضة؛ فإنه يعمل على منع تكاثر البكتريا من خلال التداخل مع السيتوبلازم والغشاء الخلوي وتثبيط فعالية إنزيم ENR مما يفقد البكتريا قدرتها على إنتاج الحمض الدهني اللازم للتكاثر.
يعتبر الترايكلوزان هو أحد أشهر المواد المضادة للميكروبات التي تستخدم حتى اليوم، مما يجعل تناول الترايكلوزان بالبحث والتقصي مسألة بديهية، ولكنها قد كشفت عن أمور قد تودي بعمر الترايكلوزان ليلقى حتفه الأخير ربما عن عمرٍ يناهِزَ الثالثة والخمسين. ويرجع ذلك لعوامل عديدة قد حكمت على الترايكلوزان باعتزال ساحة المواد المطهرة وإخضاعه للإقامة الجبرية حتى الموت. تُرى ما هي هذه الملابسات التي أفضت بالترايكلوزان لهذا المصير المؤسف؟
التهم التي وجِهّت للترايكلوزان عديدة، يمكن تلخيصها في النقاط التالية.
أولًا: التأثيرات السلبية للترايكلوزان داخل الجسم؛ يمكن إجمالها على النحو التالي:
التهمة الأولى: تحفيز الترايكلوزان لحدوث الإضطرابات الهرمونية
الترايكلوزان مركب مشبوه فهو يشاغب الغدد الصماء ويسعى في تعطيل حركة مرورها ويتلاعب بتوازن الغدد الصماء، ما يترتب عليه خلل في أجهزة الجسم وتسريع ظهور الأورام السرطانية. توجد أدلة علمية قوية تشير لتوّرط الترايكلوزان في إحداث خلل في إفراز هرمون الغدة الدرقية (الثيروكسين)، وفي دراسة أجريت في 2009 أفاد الباحثون أنّ الترايكلوزان يتسبب في تدني مستويات هرمون الغدة الدرقية، في حين أثبتت دراسة أخرى قدرة الترايكلوزان على تعزيز تعبير الهرمونات الذكورية على الإناث، وهو ما يؤدي لمشاكل صحية تصل في خطورتها للإصابة بالسرطان.
التهمة الثانية: إعاقة عمل العضلات
يعيق الترايكلوزان عمل العضلات والهيكل العظمي؛ يتم ذلك من خلال التداخل بين الترايكلوزان ووظائف العضلات فيؤثر سلبًا على انقباض العضلات. وفي دراسة جديدة أجريت بجامعة كاليفورنيا، تمت الدراسة على فئران التجارب والأسماك، وقد لاحظ العلماء أنّه بتعريض الحيوانات لجرعة واحدة من الترايكلوزان؛ تراجعت كفاءة عضلة القلب بنسبة 25% في حين تراجعت قوة انقباض العضلات بنسبة 18%، مما حدا بالعلماء التأكيد على خطورة الترايكلوزان على صحة الإنسان.
التهمة الثالثة: التراكم الحيوي
يحدث التراكم الحيوي نتيجة عدم قابلية المادة للذوبان في الماء وتراكمها في الأنسجة الدهنية للكائنات الحية، ونظرًا لأن الترايكلوزان محب للدهون ولا يذوب في الماء؛ فإنه يتراكم في الأنسجة الدهنية بالجسم، قد تم رصد الترايكلوزان في
ثانيًا التأثيرات السلبية للترايكلوزان على البيئة
مقاومة البكتريا للمضادات الحيوية
في 2005 أصدرت منظمة الغذاء والدواء الأمريكية FDA تقريرًا أشارت فيه لعدم وجود فروق ملحوظة بين الترايكلوزان والصابون العادي في السيطرة على الميكروبات. وفي عام 2013 أعلنت FDA مشروع قانون يُلزِم الشركات المصنعة إثبات فعالية منتجاتها بالتجارب العلمية القاطعة، ونظرًا لعجز الشركات عن تحقيق هذا الشرط، فقد قررت المنظمة في سبتمبر 2016 منع استعمال الترايكلوزان في منتجات السيطرة على الميكروبات، وتم إعطاء الشركات المنتجة مهلة تنتهي في سبتمبر 2017 المقبل؛ ليتسنى للشركات مراجعة تركيباتها، واستبدال الترايكلوزان بإحدى المواد الأخرى الفعالة في السيطرة على الميكروبات وأقل إضرارًا بالصحة العامة والبيئة.
الخلل في النظام البيئي (الإيكولوجي).
يقتل الترايكلوزان الطحالب والقشريات والأحياء المائية الدقيقة والبلانكتون فضلاً عن قتله للأسماك.