شهر رمضان وغرس القيم
شهر رمضان مدرسة لغرس القيم النبيلة والسامية في نفوس المسلمين وبخاصة الشباب والأطفال، وهذا الشهر المبارك يعد فرصة ذهبية لتزكية النفوس والتحلي بالقيم والأخلاق الفاضلة التي بُعث الرسول صلى الله عليه وسلم ليتممها.
ومن القيم التي يغرسها الصيام في نفس المسلم قيمة المراقبة وتقوى الله عز وجل، يقول تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. سورة البقرة: 183.
والورع والتقوى من الغايات التي فُرض الصوم من أجل تحقيقها، ومن لم يتحلى بهما فلا فائدة ولا أجر من وراء صيامه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”من لمْ يَدَعْ قولَ الزورِ والعملَ بِهِ، فليسَ للهِ حاجَةٌ في أنِ يَدَعَ طعَامَهُ وشرَابَهُ”. صحيح البخاري: 1903.
والطفل الصغير الذي يُدرب على الصوم لا بد أن يُعلم قيمة المراقبة وأنها من أهداف وغايات الصيام العظيمة، ونشأة الطفل على مراقبة الله عز وجل لها أثارها وثمارها الطيبة فيما بعد، ومنها تلك الثمرات البعد عن مواطن الشبهات، والبعد عن المحرمات، وحفظ الحرمات وعدم انتهاك الأعراض، وخشية الله عز وجل في الخلوات، واتقان العمل.
رمضان والإحسان
من القيم التي يغرسها الصيام في نفس المسلم قيمة الإحسان بكل معانيه، ومنها الإحسان بمعنى الخشية والخوف من الله عز وجل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”الإحسانُ أنْ تعبدَ اللهَ كأنكَ تراهُ، فإنْ لم تكنْ تراهُ فإنَّهُ يراكَ“. صحيح البخاري: 4777.
واستشعار معية الله عز وجل تبعد الإنسان عن المعاصي وتدفعه إلى اتقان العمل، وأداء حقوق الآخرين وعدم الاعتداء عليهم بالقول أو الفعل.
ومن صور الإحسان في شهر رمضان، الإحسان في التعامل مع الآخرين بكف الأذى وبذل المعروف والندى، ومنها أيضًا الإحسان في التعامل مع جميع المخلوقات، فعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال:” ثنتانِ حفظتُهما عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ. قال:”إنَّ اللهَ كتب الإحسانَ على كلِّ شيٍء. فإذا قتلتم فأحسِنُوا القِتْلَةَ. وإذا ذبحتم فأحسِنُوا الذبحَ. وليُحِدَّ أحدُكم شفرتَه. فليُرِحْ ذبيحتَه”. صحيح مسلم: 1955.
رمضان والصبر
من القيم التي يغرسها الصيام في نفس المسلم قيمة الصبر بأنواعه وهي الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، والصبر على البلاء، والصبر على إيذاء الآخرين، والمسلم يصبر ابتغاء الأجر من الله عز وجل، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”المؤمنُ الَّذي يخالطُ النَّاسَ ويصبرُ على أذاهم أعظمُ أجرًا منَ المؤمنِ الَّذي لاَ يخالطُ النَّاسَ ولاَ يصبرُ على أذاهم”. صحيح ابن ماجه: 3273.
ومن القيم التي يغرسها الصيام في نفس المسلم قيمة الحلم، فالمسلم مطالب في رمضان وفي غيره من الشهور بالحلم والأناة، وهما من الأمور المكتسبة ومن الصفات التي يحبها الله عز وجل، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”إنما العلمُ بالتَّعلُّمِ، وإنما الحِلمُ بالتَّحلُّمِ، ومن يتحرَّ الخيرَ يُعطَهْ، ومن يتَّقِ الشرَّ يُوَقَّه”. صحيح الجامع: 2328.
وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه، قال:”قالَ النبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ لأشجِّ عبدِ القيسِ إنَّ فيكَ لَخَصْلَتينِ يحبُّهُما اللَّهُ: الحِلمُ والأناةُ“. صحيح مسلم: 18.
السخاء والجود
من القيم التي يغرسها الصيام في نفس المسلم السخاء والجود، والمسارعة في مساعدة المحتاجين، والقدوة في ذلك هو الرسول صلى الله عليه وسلم، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال:” كان رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أجودَ الناسِ، وكان أجودَ ما يكون في رمضانَ حين يلقاه جبريلُ، وكان يلقاهُ في كل ليلةٍ من رمضانَ فيدارسُه القرآنَ، فلرسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أجودُ بالخيرِ من الريحِ المرسلةِ“. صحيح البخاري: 6.
ومن القيم التي يغرسها الصيام في نفس المسلم قيمة الرحمة والإنسانية، فشعور الإنسان بالجوع والعطش لساعات معدودة في اليوم مع توفر الطعام والشراب يذكره بالعطشى والجوعى الذين لا يجدون شربة ماء أو لقمة تقيم أودهم وتحفظ حياتهم، ويدفعه ذلك الشعور إلى مساعدتهم وتخفيف معاناتهم، وفي الصيام تجسيد لمعنى التكافل والتعاون، وتجسيد لمعنى الأخوة في الإنسانية والأخوة في الدين، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”مَثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم، مَثلُ الجسدِ. إذا اشتكَى منه عضوٌ، تداعَى له سائرُ الجسدِ بالسَّهرِ والحُمَّى”. صحيح مسلم: 2586.
رمضان وتنظيم الأوقات
من القيم التي يغرسها رمضان في نفس المسلم قيمة ضبط الوقت والمحافظة عليه، فالوقت هو الحياة وهو أثمن ما يملكه المرء، وفي ذلك يقول الشاعر:
الوقتُ أنفسُ ما عنيتَ بحفظه *** وأراهُ أسهلَ ما عليكَ يضيعُ
ومن صور التغيير الإيجابي الذي يتركه الصيام في حياة الفرد المسلم تنظيم الوقت، فوقت المسلم في رمضان مقسم بين العبادة والعمل والراحة.
والصيام ينظم حياة الفرد المسلم، فوقت المسلم في رمضان مقسم بين العبادة والعمل والراحة، فعن وهب بن عبدالله رضي الله عنه، قال:” آخَى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بين سَلمانَ وأبي الدَّرداءِ، فزار سَلمانُ أبا الدَّرداءِ، فرأَى أمَّ الدَّرداءِ مُتَبَذِّلَةً، فقال لها: ما شأنُك؟. قالتْ: أخوك أبو الدَّرداءِ ليس له حاجةٌ في الدنيا. فجاء أبو الدَّرداءِ، فصنَع له طعامًا، فقال : كُلْ، قال: فإني صائمٌ، قال: ما أنا بآكِلٍ حتى تأكُلَ، قال: فأكَل، فلما كان الليلُ ذهَب أبو الدَّرداءِ يقومُ، قال: نَمْ، فنام، ثم ذهَب يقومُ، فقال : نَمْ، فلما كان من آخِرِ الليلِ، قال سَلمانُ: قُمِ الآنَ، فصلَّيا، فقال له سَلمانُ: إن لربِّك عليك حقًّا، ولنفْسِك عليك حقًّا، ولأهلِك عليك حقًّا، فأعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، فأتَى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فذكَر ذلك له، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : صدَق سَلمانُ”. صحيح البخاري: 1968.
وشهر رمضان فرصة ذهبية للتغيير، وعناية المسلمين بشهر رمضان لا ينبغي أن تقتصر على أداء العبادات وقراءة القرآن، وينبغي أن يُصاحب ذلك غرس القيم السامية التي تزكي النفس، وتنفع الناس، وتخدم المجتمع، وترتقي بالأمة، وحري بكل فرد وكل أسرة أن يضعا برنامجًا لتعزيز القيم الإسلامية في النفوس حتى نسعد في الدنيا ونفوز في الآخرة وننال رضا الله عز وجل.