!هل ما زلنا بحاجة للأسرة؟
تغيرات كبيرة وخطيرة طرأت على الأسرة في العقود الماضية، والأسرة باتت معرضة للانقراض في عدد كبير من الدول وبخاصة في الغرب الذي طغت فيه النزعة الفردية على أفراد المجتمع، وبات كل فرد في الأسرة مشغولًا بنفسه وباحثًا عن شهواته وملذاته بعيدًا عن الأسرة.
من الأسرة الممتدة للأسرة النووية
شهدت الأونة الأخيرة تحول شكل الأسرة من الأسرة الممتدة التي يعيش فيها الأولاد مع الوالدين والأجداد وربما الأعمام إلى شكل الأسرة النووية التي تضم الأولاد والوالدين فقط، وهذا الشكل حرم الأولاد من التواصل مع الجيل السابق والاستفادة من خبرات الأجداد ومن تعلم الكثير من الأمور المتعلقة بالعلاقات الأسرية والاجتماعية.
الرغبة في الاستقلال
الخطر الكبير الذي يهدد الأسرة المعاصرة يكمن في الرغبة الجامحة لدى الأولاد وربما لدى أحد الزوجين في الاستقلال عن الأسرة، فالتطور الذي شهدته البشرية مؤخرًا ساعد وبشكل كبير على توفير الكثير من الحاجات التي كانت الأسرة هي المصدر الرئيسي لها وفي مقدمتها الاهتمام والرعاية، فبات من السهل أن يجد كل فرد من أفراد الأسرة من يهتم به وبشؤونه ولو كان ذلك بشكل افتراضي عبر منصات التواصل الاجتماعي الحديثة.
مهام الأسرة في الماضي
الأسرة في الماضي كانت الحصن والملاذ والمصدر الوحيد لإشباع جميع الرغبات المعنوية والمادية، فالأسرة هي التي توفر الطعام والشراب والملبس والمسكن، وهي التي توفر الحب والاهتمام والرعاية، وتوفر التعليم والقدوة الصالحة للأولاد، وتوفر لأفرادها الحماية من المخاطر بجميع أنواعها.
الجيل الحالي والأسرة
ينظر الجيل الحالي للأسرة المعاصرة على أنها قيد وعقبة تقف في طريق استقلاله وتحقيق طموحاته وسعادته، ويفكر في الخلاص منها ومع ذلك تكثر طلبات هذا الجيل من الأسرة ويرغب في أن توفر له قدرًا كبيرًا من الرفاهية مقارنة بما يراه لدى الآخرين وبما يطالعه يوميًا على وسائل التواصل الاجتماعي.
والجيل الحالي جيل يتميز بالسلبية والاتكالية ولا يقيم للعمل أو العلاقات الإنسانية وزنًا ولا يهتم إلا بالأمور التي تحقق له درجة عالية من الرضا على الصعيد الشخصي.
تحديات الأسرة المعاصرة
الأسرة المعاصرة تواجه الكثير من التحديات ومنها:
أولًا: التحدي الوجودي، فالأسرة التقليدية باتت مهددة في الكثير من المجتمعات وبخاصة الغربية في ظل الشذوذ الجنسي وانتشار زواج المثليين.
ثانيًا: التحديات التربوية والمتمثلة في وجود شركاء في التربية، فلم تعد التربية قاصرة على البيت والمسجد والمدرسة كما كان في السابق، فالهاتف الجوال والتلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي والشارع وأصدقاء السوء كلهم أصبحوا شركاء في التربية ودورهم ربما يفوق دور الآباء والأمهات أو على أقل تقدير يقوض ويهدم ما يقومون به من تربية وتنئشة لأولادهم.
ثالثًا: التحديات الدينية والعقدية والمتمثلة في انتشار مظاهر الإلحاد في العالم بشكل عام وفي المجتمعات العربية والإسلامية بشكل خاص، وصعوبة اقتناع هؤلاء الملحدين بفساد التوجه نحو الإلحاد وإنكار وجود الخالق.
رابعًا: التحديات الأخلاقية والمتمثلة في انتشار المفاسد الأخلاقية، وعدم اقتناع الجيل الحالي بأهمية وجدوى الالتزام بالأخلاق الحسنة نتيجة الشهرة الكبيرة التي تحظى بها طبقة من المتفلتين أخلاقيًا سواء من الرياضيين أو الفنانين وغيرهم.
خامسًا: التحديات الاقتصادية والمتمثلة في البطالة وضعف الرواتب وغلاء الأسعار وسيادة النزعة الاستهلاكية والرغبة في تقليد الآخرين في أنماطهم الاستهلاكية.
العلاقات الأسرية إلى أين؟
لا يستطيع عاقل في هذا الزمان أن ينكر التغيرات الهائلة التي طرأت على العلاقات الأسرية، فقد غابت الكثير من المعاني المرتبطة بالأسرة وضعفت إلى حد الكبير الروابط المشتركة بين أفراد الأسرة الواحدة.
والحاجة إلى الأسرة كحضن وملاذ يُحس بها الكثيرون ممن ينتمون للجيل الحالي من الآباء والأمهات، أما الجيل الحالي من الأولاد فيظن أن سعادته لن تتحقق إلا بالاستقلال والابتعاد عن الأسرة والكثيرون منهم لا يفيقون من هذا الوهم إلا بعد خوض تجارب الحياة التي لا ترحم أحدًا، والتعامل مع أشخاص أصحاب هوى ومصالح لا يقيمون وزنًا لعلاقاتهم مع الآخرين.