الأنبياء والمسؤولية المجتمعية
الأستاذ محمد خاطر
عرض القرآن الكريم لنماذج من الأعمال الصالحة التي تنفع أفراد المجتمع في حياة الأنبياء عليهم السلام، وذلك من أجل التأسي بهم والسير على نهجهم، يقول الله عز وجل:{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}. سورة يوسف: 111.
والمتأمل للنماذج التي عرضها القرآن لأعمال الأنبياء يجد أنها لم تقتصر على الدعوة وتبليغ الرسالة، وامتدت لتشمل الأعمال الدنيوية التي تنفع الناس والمجتمع.
ومن الأمثلة على الأعمال الصالحة عند الأنبياء والتي يعود نفعها على المجتمع التوبة، لأن التوبة تنفع الإنسان وتقيه من عذاب الله عز وجل، وتفتح للإنسان صفحة جديدة مع الله يملؤها الإنسان بالعمل الصالح، والاستغفار والإقلاع عن الذنوب يحمي المجتمع من الشرور والآثام، يقول الله عز وجل:{قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} سورة الأعراف: 23.
ومن الأعمال المجتمعية للأنبياء قيام نبي الله نوح عليه السلام بصنع السفينة، يقول الله عز وجل:{فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ ۙ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ ۖ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۖ إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} سورة المؤمنون: 27.
وحجم التجارة البحرية يمثل 90% من تجارة العالم، وتبلغ عائداتها السنوية خمسمائة مليار دولار.
ومن الأعمال الدينية والمجتمعية لنبي الله إبراهيم عليه السلام بناء البيت، يقول الله عز وجل:{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. سورة البقرة: 127.
وحجم أعمال البناء والعقارات العالم وفقًا لتقرير شركة الخدمات العقارية العالمية “Savills”، بلغ 280.6 تريليون دولار في 2018م.
ومن الأعمال المجتمعية التي اشتهر بها الخليل عليه السلام إكرام الضيف، يقول الله عز وجل:{وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ ۖ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } سورة هود: 69.
ومن الأعمال التي تنفع أفراد المجتمع عند نبي الله إدريس عليه السلام الحياكة، والناس جميعهم أغنياؤهم وفقراؤهم لا يمكنهم الاستغناء عن الملابس بجميع أنواعها.
ومن الأعمال المجتمعية لنبي الله داوود عليه السلام والتي تحمي أفراد المجتمع صناعة الدروع وهي تعادل اليوم الصناعات العسكرية، يقول الله عز وجل:{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ ۖ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ} سورة الأنبياء: 80.
وحجم الصناعات العسكرية يقدر بآلاف المليارات من الدولارات، وميزانيات الدفاع للدول العشر الكبرى في التسليح تزيد عن 2000 مليار دولار.
ومن الأعمال المجتمعية لنبي الله سليمان عليه السلام والتي تحقق العدل بين الناس وتعطي الحقوق لأصحابها توظيف الملك والحكمة في الفصل بين الناس.
ومن الأعمال المجتمعية لنبي الله موسى عليه السلام والتي تخدم الفئات الضعيفة في المجتمع كالنساء سقي الغنم والدواب لبنتي شعيب، يقول الله عز وجل:{فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} سورة القصص: 24.
ومن الأمور المجتمعية التي قام بها الخضر عليه السلام الحفاظ على مصدر رزق المساكين بخرق السفينة حتى لا يأخذها الملك، وصيانة منزل الغلامين اليتيمين يقول الله عز وجل:{فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَآ أَتَيَآ أَهۡلَ قَرۡيَةٍ ٱسۡتَطۡعَمَآ أَهۡلَهَا فَأَبَوۡاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارٗا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُۥۖ قَالَ لَوۡ شِئۡتَ لَتَّخَذۡتَ عَلَيۡهِ أَجۡرٗا}. سورة الكهف: 77.
ومن الأعمال المجتمعية لذي القرنين توفير الحماية لأفراد المجتمع من الاعتداءات الخارجية وذلك بإنشاء السد وحماية أصحابه من يأجوج ومأجوج، وتعليمهم فنون تشكيل المعادن كالحديد والنحاس.
ومن الأعمال المجتمعية لنبي عيسى عليه السلام معالجة المرضى، والعاملون في المجالات الطبية اليوم يقومون بدور كبير في علاج الأمراض المختلفة ويسعون لتخفيف آلام البشر.
ومن الأعمال المجتمعية التي تؤثر على أمن واستقرار المجتمع والتي عرضها القرآن الكريم المهنية الإعلامية والمصداقية عند هدهد سليمان عليه السلام، يقول الله عز وجل:{فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}. سورة النمل: 22.
ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم كانت له أنواع من الأعمال المجتمعية قبل البعثة، وهو ما شهدت به السيدة خديجة رضي الله عنها، فعندما عاد النبي صلى الله عليه وسلم من غار حراء بعد نزول الوحي عليه، قال:«يا خَدِيجَةُ، ما لي» وأَخْبَرَها الخبرَ، وقال:«قد خَشِيتُ عَلَى نفسي» فقالَتْ له: كَلَّا، أَبْشِرْ، فواللَّهِ لا يُخْزيك اللَّهُ أبدًا، إنك لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الحديثَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَقْري الضيفَ، وَتُعينُ عَلَى نَوائبِ الحَقِّ”. صحيح البخاري: 6982.
والمتأمل في السيرة النبوية يجد أن الأعمال التي يحبها الله عز وجل وحث عليها النبي صلى الله عليه وسلم تتعلق جميعها بخدمة أفراد المجتمع ومساعدتهم والإحسان إليهم، وفي دعوة لنا جميعًا لكي يُسهم كل فرد منا في خدمة المجتمع الذي يعيش فيه من خلال الأمور التي يتقنها.
لتحميل المقال والجزء الثاني من الكتاب العربي في المسؤولية المجتمعية: اضغط هنا.